4.عليُّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عُبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال لي : «يا زياد ، ما تقولُ لو أفتَيْنا رجلاً ممَّن يَتوَلاّنا بشيء من التقيّة؟» . قال : قلت له : أنت أعلمُ ، جعلتُ فداك . قال : «إن أخَذَ به فهو خيرٌ له وأعظمُ أجرا» .
وفي رواية اُخرى : «إن أخَذَ به اُوجِرَ ، وإن تَرَكَه واللّه ِ أثِمَ» .
[قوله :] في حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام : (قالَ : قالَ لي: يازيادُ ، ما تقولُ لو أفْتَيْنا رجلاً ممّن يَتَوَلاّنا بشيءٍ من التقيّة؟» قالَ : قلتُ له : أنتَ أعلمُ جُعِلتُ فداك ، قال : «إن أخَذَ به فهو خيرٌ له وأعظم أجراً» . وفي روايةٍ اُخرى : «إن أخذ به اُوجِرَ ، وإن تَرَكَه واللّه ِ أثِمَ») .
إن قلت : بين هاتين الروايتين منافاة بحسب الظاهر ، فإنّ الاُولى تدلّ على أنّه لو ترك العمل به ، كان له خير وأجر في الجملة ، والثانية تدلّ على أنّه إن عمل به ، حصل له الأجر ، وإلاّ كان آثماً . وكذا بينهما وبين ما يأتي في حديث عمر بن حنظلة من قوله عليه السلام : «ينظر ما وافق حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به» وقوله فيه : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» وقوله فيه : «ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ، ويؤخذ بالآخر» ۱ . وكذا غير ما ذكر من الأحاديث التي وردت بمقتضى الجهتين ۲ .
قلت : يمكن الجمع بين هاتين الروايتين باختلاف مقامي التقيّة ، ففي وقت كلام الرواية الاُولى كان المقام يقتضي أنّه لو ترك العمل بالتقيّة لم يأثم وكان له أجر في الجملة ، وفي وقت كلام الثانية كان الإنسان لو ترك العمل بما فيه تقيّة يترتّب عليه مفسدة وضرر ؛ فالمقامان مختلفان ، وهم عليهم السلام أعلم بما يترتّب على هذا وغيره ، وقد كانوا يأمرون بالتقيّة شخصاً واحداً في فعل واحد في وقت دون وقت ؛ لعلمهم بما يترتّب على الفعل والترك .
ويحتمل وجهاً آخر ، وهو أن يكون من له الأجر في الجملة تركه لكونه تقيّة مع جواز الأخذ به ، والآثم يكون اعتقاده أنّه لا يجوز العمل به وإن أمروا به .
وبنحو هذا يمكن الجمع بينهما وبين ما في رواية عمر بن حنظلة ، فإنّ الرجوع إلى ما خالف العامّة لا يكون فيه موجب للعمل بالتقيّة ، وما هنا ليس من هذا القبيل ، بل إمّا أن يجب العمل بالتقيّة أو يكون أعظم أجراً .
وقد يفرّق بين ما سمع منهم عليهم السلام كما في هاتين الروايتين ، وما ورد عنهم كما في رواية عمر بن حنظلة ، فإنّه لا يلزم من رواية الثقات عنهم أن يكون عنهم في الواقع ، كما تقدّم .
بقي احتمال آخر للجمع بين الروايتين المذكورتين في هذا الباب ، وهو أن يكون العمل خيراً له وأعظم أجراً باعتبار ما يعتقده أو يظنّه ، فإنّه يعتقد أنّ مذهب العامّة فاسد ، فكذا العمل به ؛ فالعمل بالتقيّة خير له ممّا يعتقد فيه الأجر فقط الذي هو مخالف لهم ، وقد يرجع إلى ما تقدّم ؛ واللّه أعلم .