۰.قلت : فكيف يصنعان؟ قال : «ينظران إلى من كانَ منكم ممّن قد روى حديثَنا ، ونَظَرَ في حلالنا وحرامنا وعَرَفَ أحكامَنا ، فَلْيَرْضَوْا به حَكَما ، فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكما ،
قوله عليه السلام فيه : (يَنظُرانِ۱مَن كانَ منكم ممّن قد روى حديثَنا ونَظَرَ في حلالِنا وحرامِنا ، وعَرَفَ أحكامَنا ، فَلْيَرْضَوْا به حَكَماً ، فإنّي قد جَعَلْتُه عليكم حاكِماً ، فإذا حَكَمَ بحُكْمِنا فلم يَقْبَلْ منه فإنّما اسْتَخَفَّ بحُكْمِ اللّه ِ وعلينا رَدَّ ، والرادُّ علينا الرادُّ على اللّه ِ ، وهو على حدّ الشركِ باللّه ِ) .
قال شيخنا الشهيد ـ قدّس اللّه روحه ـ في أوّل الذكرى :
يعتبر في الفقيه اُمور ثلاثة عشر ، قد نبّه عليها في مقبول عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق عليه السلام : «اُنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فارضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ وعلينا رَدَّ ، وهو رادّ على اللّه ، وهو على حدّ الشرك باللّه ، فإذا اختلفا فالحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما» .
الأمر الأوّل : الإيمان ، لقوله «منكم» لأنّ غير المؤمن يجب التثبّت عند خبره ، وهو ينافي التقليد .
الثاني : العدالة ؛ لذلك أيضاً ، وعليه نبّه بقوله : «أعدلهما» .
الثالث : العلم بالكتاب .
الرابع : العلم بالسنّة ، ويكفي منهما ما يحتاج إليه ولو بمراجعة أصل صحيح .
الخامس : العلم بالإجماع والخلاف ؛ لئّلا يفتي بما يخالفه .
السادس : العلم بالكلام .
السابع : العلم بالاُصول .
الثامن : العلم باللغة والنحو والصرف وكيفيّة الاستدلال ؛ وعلى ذلك دلّ بقوله : «وعرف أحكامنا» فإنّ معرفتها بدون ذلك محال .
التاسع : العلم بالناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والظاهر والمأوّل ، ونحوها ممّا يتوقّف عليه فهم المعنى والعمل بموجبه .
العاشر : العلم بالجرح والتعديل ، ويكفي الاعتماد على شهادة الأوّلين به ، كما اشتمل عليه كتب الرجال ؛ إذ يتعذّر ضبط الجميع مع تطاول الأزمنة ، وفي الكافي و من لا يحضره الفقيه و التهذيب بلاغ واف وبيان شاف ۲ . وإلى ذلك أشار بقوله : «وروى حديثنا» .
الحادي عشر : العلم بمقتضى اللفظ لغة وعرفاً وشرعاً .
الثاني عشر : أن يعلم من المخاطب إرادة المقتضي إن تجرّد عن القرينة ، وإرادة ما دلّت عليه القرينة إن وجدت ليثق بخطابه ، وهو موقوف على ثبوت الحكم .
الثالث عشر : أن يكون حافظاً ، بمعنى أنّه أغلبُ عليه من النسيان ؛ لتعذّر درك الأحكام من دونه .
والأولى جواز تجزّي الاجتهاد ؛ لأنّ الغرض الاطّلاع على مأخذ الحكم وما يعتبر فيه ، وهو حاصل ، ويندر ويبعد تعلّق غيره به ، فلا يلتفت إليه ؛ لقيام هذا التجويز في المجتهد المطلق . وعليه نبّه في مشهور أبي خديجة عن الصادق عليه السلام : «انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئاً من قضايانا ، فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضيا» .
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه ۳ . نقلتُه لما فيه من الفوائد . ولا يخلو دلالة الحديث على بعض ما ذكر من نظر ، وبعد التأمّل يمكن الجواب عنه .
وربما فهم منه حياة الحاكم الذي جعله عليه السلام حاكماً ، فيكون مؤيّداً للقول بعدم جواز تقليد الميّت . وفيه تأمّل .
وهذا الحاكم سمّوه مجتهداً وقد أمر عليه السلام بتقليده والرجوع إليه .
وفي قوله عليه السلام «عليكم» بالخطاب بعد تعلّق الكلام بمن ذكر ، تنبيهٌ على أنّ مثل هذا ليس حاكماً مخصوصا بما سألت عنه ، بل هو مع كونه حكماً بينهما حاكمٌ في غير هذه القضيّة أيضا ؛ ولهذا عبّر عليه السلام ثانياً بقوله «حاكماً» بعد قوله أوّلاً «حَكَما» .
ومنه يعلم اشتراط الاجتهاد في الحكم كما يشترط في الحاكم ، وهو يدلّ على ما ذكره علماؤنا ـ رضوان اللّه عليهم ـ من كون قاضي التحكيم يشترط أن يكون أيضاً مجتهداً ۴ .
1.في الكافي المطبوع : + «إلى» .
2.هذا إشارة إلى القول بكفاية اتّفاق المشايخ الثلاثة ـ الكليني والصدوق والطوسي ـ على إخراج رواية الرجل في وثاقته والاعتماد على خبره .
3.ذكرى الشيعة ، ج ۱ ، ص ۴۳ .
4.مسالك الأفهام ، ج ۱۳ ، ص ۳۳۳ . وحكاه في الروضة البهية في شرح اللمعة ، ج ۳ ، ص ۶۸ عن الشهيد الأوّل . وانظر : جواهر الكلام ، ج ۴۰ ، ص ۲۸ .