589
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
588

في حديث مَيْمون البانِ ۱

قوله عليه السلام : (الأوّلُ لاعَن أوّلٍ قَبْلَه ...) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ أوّليّته ليست صادرة عن أوّلٍ كانَ قبله جعله أوّلاً ، وآخريّته ليست عن شيء سابق عليه صيّره آخرا ، يتحوّل ذلك الأوّل إلى هذا الآخر (كما يُعْقَلُ من صِفَةِ المخلوقينَ) كالإنسان مثلاً في كونه ترابا مرّة ، ولحما ودما أُخرى ، ورفاتا ورميما بعد ذلك ، فإنّ كلاًّ منها بعد تناهي الآخر ، بل هو (قديمٌ ، أوّلٌ ، آخِرٌ) لا تفاوت بينهما في ذات ولا صفة ، لم يزل بلا بَدْء ، أي لا يقع عليه ، ولا يزال بلا نهاية ، ولا يحول من حال إلى حال .
ولا يخفى ما في الحديث من اللفّ والنشر ، وتفسير كلّ لاحق لسابق .

في حديث أبيهاشم الجَعْفَري ۲

قول السائل : (لَهُ أسماءٌ وصِفاتٌ في كتابِه) إخبارٌ ، لا استفهام ، وإلاّ لم يكن له جواب .
قوله عليه السلام : (إن كُنْتَ تقولُ : هو هي۳، أي أنّه ذو عَدَدٍ وكَثْرَةٍ) .
أي أنّ قولك «هو هي» يحتمل معنيين .
الأوّل : أنّ كلّ واحد منها هو اللّه ، أي نفسه ، بمعنى أنّه ذو عدد وكثرة ، فاللّه تعالى متعال ومنزّه عن أن يقال فيه هذا .
والثاني : أنّ هذه الصفات والأسماءَ لم تزل ، أي هي قديمة .
وهذا أيضا يحتمل معنيين :
الأوّل : أنّها لم تزل في علمه وهو مستحقّها ، أي علمُه تعالى بها ـ أي أنّه يخلقها ـ واستحقاقُه إيّاها أنّ كون معانيها مختصّة به وكونَها عين ذاته قديم ۴(فَنَعَمْ) أي فهذا حقّ لا يجوز إنكاره . ولا يخفى كون المراد بالصفات ألفاظَها ، لا معانيها ، حتّى يرد ما يرد .
والثاني : أنّ تصويرها وهجاءها وتقطيع حروفها لم يزل ، فإن عنيت هذا فاللازم منه تعدّد القدماء ، ومعاذ اللّه أن يكون معه غيره ، بل كانَ ولا خَلْق ، ثمّ خَلَقَها لأن تكون وسيلة بينه وبين خلقه ، يتضرّعون بها إليه ويعبدونه بها .
ثمّ أورد عليه السلام الدليل على حدوثها ، فقال : (وهي ذِكْرُهُ ...) أي إنّ هذه الأسماء والصفاتِ ذِكْرُ اللّه ، والذكر لابُدَّ له من ذاكرٍ ، ولا ريب في حدوث الذاكر ، وإذا كان الذاكر حادثا كانَ الذِكْر أيضا حادثا ، وإلاّ لزم تقدّم المعلول على العلّة ، وهو باطل . فكان اللّه ولا ذِكْر ؛ فظهر حدوث الذكر الذي هو الأسماء والصفات ، فالمذكور بها هو اللّه تعالى الثابت القديم الذي لم يزل ، فتحقَّقَ أنّها غيره ؛ لاختلافها بالحدوث والقدم ، وأنّها مخلوقة ؛ لأنّها حادثة ، والحادث لابدّ له من موجود .
قوله عليه السلام : (والمعاني والمَعنِيُّ بها هو اللّه ُ) .
يحتمل أن يكون الأصل : «لا المعاني» ، وأن يكون وقع تحريف من النسّاخ . والمعنى : أنّ المخلوقات هي الأسماء والصفات ، لا المعاني .
وعلى الموجود ، فالواو للابتداء ، والمعنى : أنّ المعاني والمعنيّ بها واحد ، وهو اللّه ، أي إنّ صفاته تعالى عين ذاته ؛ لأنّها لو لم تكن عين ذاته لكانت حادثةً ؛ للزوم تعدّد القدماء ، وهو باطل ، وإذا كانت حادثة يلزم اختلافه ؛ لأنّه لم يكن متّصفا بها ثمّ اتّصف ، ويلزم أيضا ائتلافه من حادث وقديم ، وإنّما يختلف للاتّصاف بصفة بعد أن لم يكن متّصفا ، ويأتلف فيكون كثيرا بعد أن كان بسيطا غير قابل التجزّء ، وهو ما سوى الواحد ، واللّه تعالى واحد لا متجزّيٌ ؛ لأنّ جميع المتجزّءات مخلوقة .
وإلى جميع ما ذكر أشار عليه السلام بقوله : (الذي لا يَليقُ به الاختلافُ ولا الائتلافُ ...) .
وفي هذا تنبيه على أنّ المراد بالصفات في كلام السائل وجوابِ الإمام الألفاظ ، لا المعاني ، أو يكون السؤال شاملاً للمعنيين والجواب مفصّلاً .
ثمّ لمّا بيّن عليه السلام أنّ المتّصف بالقلّة والكثرة هو المتجزّىٌ وأنّ كلّ متجزٍّ مخلوق ، فاللّه تعالى لا يتّصف بقلّة ولا كثرة ، أشار إلى بعض معاني الصفات التي متّصف بها ، فقال : (فقولُك : «إنّ اللّه َ قديرٌ» خَبَّرْتَ أنّه لا يُعْجِزُهُ شيءٌ ...) .
أي قولك : هو قدير وعالم ، المراد به نفي العجز والجهل عنه ، لا إثبات هذه الألفاظ له وأنّه نفسها ؛ لأنّه تعالى إذا أفنى الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ، ولا يزال الذي لم يزل عالما بعد فناء هذه الأشياء وقديرا ، فعلم أنّ المراد بكونها هي هو أنّه تعالى متّصف بمعانيها وأنّ المعاني عين ذاته ، بخلاف الصورة والهجاء والتقطيع ، فإنّه زائل .
واعلم أنّ قوله عليه السلام : (فقولُك : إنّ اللّه قديرٌ ، خبّرتَ أنّه لا يُعجِزُه شيءٌ ، فنَفَيْتَ بالكلمة العَجْزَ)وقوله عليه السلام : (وكذلك قولُك : «عالمٌ» إنّما نَفَيْتَ بالكلمةِ الجَهْلَ ، وجَعَلْتَ الجهلَ سِواهُ) .
المراد منه ـ واللّه أعلم ـ أنّ قولنا : «اللّه قديم» ليس المراد منه أنّه هو هذه الكلمة ، إنّما المراد منه معناه ، وهو نفي العجز عنه ؛ لأنّه ليس المراد إثباتَ القدرة له ، بل نفي العجز ؛ لأنّ هذين المعنيين متلازمان ، لا ينفكّ أحدهما عن الآخر ؛ وكذا القول في العلم .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۶ ، ح۶ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۶ ، ح۷ .

3.في الكافي المطبوع : «هي هو» .

4.قوله : «قديم» خبر «أنّ» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 79077
صفحه از 715
پرینت  ارسال به