595
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
594

باب آخر [وهو من الباب الأوّل إلاّ أنّ فيه زيادة ... ]

في حديث الفتح بن يزيد الجُرجاني ۱

(لم يُعْرَفِ الخالِقُ من المخلوقِ) .
أي لا خالقَ سواه ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى عِلمه شامل لكلّ معلوم ، فلوكان خالق سواه لعُلِم به ، وفُرِق بينه وبين المخلوق ، فلمّا حكم بأنّه لا يعرف الخالق من المخلوق ومعلوم أنّ علمه شامل لكلّ شيء عُلم أنّه لا خالق سواه ؛ لأنّه لوكان لَعَلِمه ولزم من العلم به معرفة الخالق من المخلوق ، فلزم من عدم الفرق بين الخالق والمخلوق عدم العلم بخالق سواه ، ومنه عدم الكون ؛ فليتأمّل .
قوله عليه السلام : (فَرَّقَ بيْنَ من جَسَّمَه وصَوَّرَه وأنْشَأه ؛ إذ كانَ لا يُشْبِهُهُ شيءٌ ، ولا يُشْبِهُ هو شيئا) .
هذا الكلام استفهام إنكاريّ ، أي إذا كان اللّه تعالى لا يشبهه شيء ولا يشبهه هو شيئا ، فكلّ من أثبت له صفة من صفات المخلوقين لم يعبد هذا الخالق الموصوف بهذه الصفات ، بل كان عابدا لغيره ، ولا فرق في هذا بين من قال : إنّه جسم ، أو قال : إنّه صورة ، أو إنّه مُنشأ ؛ لأنّه على جميع التقديرات قد أثبت له ما ليس فيه المنهيّ عنه ، كائنا ذلك الشيء ما كان .
قوله عليه السلام : (إنّما قُلْنا : اللطيفُ ؛ للخَلْقِ اللطيفِ ، لعِلْمِه۲بالشيء اللطيفِ) .
أي قولنا : «إنّه لطيف» للخَلْق اللطيف ، لا لأنّه هو في نفسه لطيف ، فقوله «للخلق اللطيف» أي لعلمه بالخلق اللطيف ، فحُذف مجرور اللام والباء ، وأُدخل
اللام على الخلق لدلالة القرينة عليه لعدم الربط مع عدم التقدير ، والخلق اللطيف : المخلوق اللطيف ، وهو ما صغر ودقّ .
ثمّ لمّا كان يمكن تقدير غير هذا ـ مثل «لخلقه الخلقَ اللطيفَ» وهو دالّ على العلم بالمخلوق فقط ؛ لأنّ من خلق شيئا لابدّ وأن يكون عالما به ، لا على العلم بسائر أفعاله وحركاته ، مثل اهتداه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه ـ فسّره عليه السلام بقوله : «لعلمه بالشيء اللطيف» ، ثمّ أوضح ذلك ، فقال : (أوَ لا تَرى ...) .
قوله عليه السلام : (وغيرِ اللطيفِ) .
لمّا أوهم ما قبله أنّ أثر صنعه مختص بالنبات اللطيف ، دفعه عليه السلام بقوله : «وغير اللطيف» .
قوله : (ومِن الخَلْقِ اللَطيفِ) .
متعلّقٌ بمحذوف صفة لشيء محذوف موصوف بكونه لا تكاد تستبينه العيون ، والتقدير : أوَلا تنظر إلى أثر صنعه في البنات اللطيف ، وإلى الشيء الكائن من الخلق اللطيف ... الذي (لا يَكادُ تَسْتَبينُه العيونُ) .
أمّا حذف الموصوف فلكونه مصوفا للموصول ، وحذف مثله كثير شائع ، ولا يضرّ كونه مصوفا لغيره ؛ لأنّ المجوّز وجود القرينة ، وهي حاصلة .
وأمّا حذف الصفة فلأنّها متعلّق الجارّ .
قوله عليه السلام : (والحَدَثُ المولودُ مِن القديمِ) .
لا يخفى كون المراد من القديم السابق ولادته ؛ لأنّه من كلام المعصوم .
قوله عليه السلام : (عَلِمْنا أنَّ خالِقَ هذا الخَلْقِ لطيفٌ ، لَطُفَ بخَلْقِ ما سمّيناه ...) .
أي لمّا رأينا هذه الأشياء ، عَلِمْنا أنّ خالقها لطيفٌ ، أي محسنٌ إلى خَلْقه بخلق بإيصال المنافع إليهم برفق ولُطْفٍ لَطُفَ ، أي أحْسَنَ إلى خَلْقه بخلق هذه الأشياء ؛ لأنّه لم يخلقها عبثا .
والحاصل : أنّه لمّا كان اللطيف هو ما صغر ودقّ ، واللطيف البرّ بعباده والمحسن إلى خلقه برفق ولطف ، واللطيف العالم بخفايا الأُمور ودقائقها ، حَصَرَ عليه السلام لطفه تعالى في الثالث ، فقال : «إنّما قلنا : اللطيف ؛ للخلق اللطيف ، لعلمه بالشيء اللطيف» .
ثمّ بَيَّنَ معلوماته اللطيفة ، ثمّ قال : «فلمّا رَأيْنا صِغَرَ ذلك في لُطْفه ... عَلِمْنا أنّ خالقَ هذا الخَلْقِ لطيفٌ ، لَطُفَ بخَلْق ما سمّيناه» ، فبيّن أنّ اللطيف بالمعنى الثاني لازم للثالث ، فدخل في الحصر ، فخرج كونه بالمعنى الأوّل .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۸ـ ۱۲۰ ، ح۱ .

2.هكذا في بعض نسخ الكافي وجميع الشروح إلاّ مرآة العقول . وفي المطبوع وبعض نسخ أُخرى للكافي : «ولعِلمه» على أن يكون تعليلاً ثانيا لتسميته سبحانه لطيفا . واحتمل المازندراني كونه تعليلاً لتسميته تعالى خبيرا ، في فرض عدم الواو . للمزيد راجع : التعليقة للداماد ، ص۲۸۰ ، شرح المازندراني ، ج۴ ، ص۴۲ ؛ الوافي ، ج۱ ، ص۴۸۳ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77768
صفحه از 715
پرینت  ارسال به