في حديث يعقوب بن جعفر ۱
قوله عليه السلام : (لا أقولُ : إنّه قائم ، فأُزيلَه عن مكانِه) .
أي لا أقول : إنّه قائم ، على معنى يلزم منه الزوال عن المكان الذي كان قاعدا فيه ، وذلك لقيامنا ، ولا يلزم من عدم إطلاق القائم بهذا المعنى عليه تعالى عدم جواز إطلاق القائم عليه مطلقا .
والدالّ على كون القيام الذي نفى عليه السلام القول به الفاءُ في «فأُزيله» ؛ لأنّ القيام إذا حمل على معنى قيامنا ، يلزم من القول به القول بالزوال عن المكان ، وأمّا إذا كان القائم بمعنى الحافظ كما فسّره عليه السلام في الحديث الذي تقدّم ، فغير لازم منه هذا .
قوله عليه السلام : (ولا أحُدُّه أن يَتَحَرَّكَ) أي بالحركة .
قوله عليه السلام : (ولا أحُدُّهُ بلَفْظِ شَقِّ فَمٍ) .
يحتمل أن يكون «شقّ» بفتح الشين ، والمعنى : لا أحدّه بلفظ حاصل من شقّ الفم ، أي فتحه ؛ أو بكسرها ، يعني : لا أحدّه تلفّظ حاصل من شقّ الفم ، أي من جانبه ، أي لا أقول : إنّ كلامه ككلامنا ، بل هو كما قال تعالى : « كُن فَيَكُونُ »۲ .
ثمّ لمّا كان ظاهر قوله تعالى : « كُن فَيَكُونُ » أنّ «كن» المقولَ يحصل بالتلفّظ وترددّ النفس ، قال عليه السلام : (بمَشيئتِه مِنْ غيرِ تَرَدُّدٍ في نَفْسٍ) .
أي إنّ هذا القول يحصل بمشيئة اللّه تعالى مفهومه ، لا بالتلفّظ بلفظه الصادر من تردّد النفس .
ثمّ لمّا كان مشيئتنا للأشياء تحصل إمّا لاحتياجنا إليها أو لاحتياج غيرنا ، وعلى كلا التقديرين إمّا بتنبّهنا من غير واسطة إلى هذا الاحتياج أو أنّ الغير ينبّهنا على ذلك ، نَبَّهَ عليه السلام على أنّ مشيئته تعالى ليست كمشيئتنا ، فقال : (صَمَدا فَرْدا ...) أي بمشيئته حال كونه صمدا ، أي حال كونه مقصودا محتاجا إليه مستغنيا عن كلّ شيء ، فعلم أنّ مشيئته الاشياءَ مختصّة باحتياج الخَلْق إليها فردا .
(لم يَحْتَجْ إلى شريكٍ يَذكُرُ له مُلكَه ، ولا يَفْتَحُ له أبوابَ علمِه) أي حال كونه متفرّدا بالتدبير ، عالما بما يحتاج إليه ، مستغنيا عن شريك يذكر له ملكه وينبّهه على ما يحتاج إليه ، ويفتح له أبواب العلم ؛ فعلم أنّه عالم بجميع المعلومات ، غير غافل عن شيء منها ؛ فاتّضح الفرق بين مشيئته ومشيئتنا .