605
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث يعقوب بن جعفر ۱

قوله عليه السلام : (لا أقولُ : إنّه قائم ، فأُزيلَه عن مكانِه) .
أي لا أقول : إنّه قائم ، على معنى يلزم منه الزوال عن المكان الذي كان قاعدا فيه ، وذلك لقيامنا ، ولا يلزم من عدم إطلاق القائم بهذا المعنى عليه تعالى عدم جواز إطلاق القائم عليه مطلقا .
والدالّ على كون القيام الذي نفى عليه السلام القول به الفاءُ في «فأُزيله» ؛ لأنّ القيام إذا حمل على معنى قيامنا ، يلزم من القول به القول بالزوال عن المكان ، وأمّا إذا كان القائم بمعنى الحافظ كما فسّره عليه السلام في الحديث الذي تقدّم ، فغير لازم منه هذا .
قوله عليه السلام : (ولا أحُدُّه أن يَتَحَرَّكَ) أي بالحركة .
قوله عليه السلام : (ولا أحُدُّهُ بلَفْظِ شَقِّ فَمٍ) .
يحتمل أن يكون «شقّ» بفتح الشين ، والمعنى : لا أحدّه بلفظ حاصل من شقّ الفم ، أي فتحه ؛ أو بكسرها ، يعني : لا أحدّه تلفّظ حاصل من شقّ الفم ، أي من جانبه ، أي لا أقول : إنّ كلامه ككلامنا ، بل هو كما قال تعالى : « كُن فَيَكُونُ »۲ .
ثمّ لمّا كان ظاهر قوله تعالى : « كُن فَيَكُونُ » أنّ «كن» المقولَ يحصل بالتلفّظ وترددّ النفس ، قال عليه السلام : (بمَشيئتِه مِنْ غيرِ تَرَدُّدٍ في نَفْسٍ) .
أي إنّ هذا القول يحصل بمشيئة اللّه تعالى مفهومه ، لا بالتلفّظ بلفظه الصادر من تردّد النفس .
ثمّ لمّا كان مشيئتنا للأشياء تحصل إمّا لاحتياجنا إليها أو لاحتياج غيرنا ، وعلى كلا التقديرين إمّا بتنبّهنا من غير واسطة إلى هذا الاحتياج أو أنّ الغير ينبّهنا على ذلك ، نَبَّهَ عليه السلام على أنّ مشيئته تعالى ليست كمشيئتنا ، فقال : (صَمَدا فَرْدا ...) أي بمشيئته حال كونه صمدا ، أي حال كونه مقصودا محتاجا إليه مستغنيا عن كلّ شيء ، فعلم أنّ مشيئته الاشياءَ مختصّة باحتياج الخَلْق إليها فردا .
(لم يَحْتَجْ إلى شريكٍ يَذكُرُ له مُلكَه ، ولا يَفْتَحُ له أبوابَ علمِه) أي حال كونه متفرّدا بالتدبير ، عالما بما يحتاج إليه ، مستغنيا عن شريك يذكر له ملكه وينبّهه على ما يحتاج إليه ، ويفتح له أبواب العلم ؛ فعلم أنّه عالم بجميع المعلومات ، غير غافل عن شيء منها ؛ فاتّضح الفرق بين مشيئته ومشيئتنا .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۵ ، ح۲ .

2.البقرة (۲) : ۱۱۷ ؛ آل عمران (۳) : ۴۷ و۵۶ ، ومواضع أُخر .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
604

باب الحركة والانتقال

في حديث يعقوب بن جعفر ۱

قوله عليه السلام : (إنَّ اللّه َ لا يَنْزِلُ) .
لمّا كان لازم قول من يزعم أنّه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا أنّه يبرح ـ أي يزول من مكان ويستقرّ في آخَرَ ـ أخبَرَ عليه السلام أوّلاً بعدم بَراحِهِ ، ثمّ نَبَّهَ على الدليل على ذلك بقوله : (ولا يَحتاجُ [إلى] أنْ يَنْزِلَ ...) .
وتقريره : أنّ المحتاج الذي يتفاوت علمه بالأشياء بسبب القرب والبعد يفتقر إلى البراح والنزول ، واللّه تبارك وتعالى مستغنٍ عن ذلك ؛ لأنّ «منظره» ، أي الأشياء التي ينظر إليها بالعلم والتدبير متساوية بالنسبة إليه في القُرْبِ والبُعْدِ .
ثمّ فسّر عليه السلام معنى المتساوي ، فقال : (لم يَبْعُدْ مِنه قَريبٌ ...) ، أي إنّ الأشياء القريبة منّا ليست بعيدة عنه ، والأشياءَ البعيدة عنّا ليست قريبة منه على معنى أنّه بعيد عنّا ، بل جميع الأشياء متساوية بالنسبة إليه تعالى ، لا توصف بأقربيّة ولا بأبعديّة .
ثمّ لمّا أوهم قوله عليه السلام : «ولا يحتاج [إلى] أن ينزل» أنّ عدم احتياجه مختصّ بهذا فقط ، قال : (ولَمْ يَحْتَجْ إلى شيءٍ ، بل يُحتاجُ إليه) . بالبناء للمفعول ليفيد عموم الفاعل ، أي بل جميع الأشياء محتاجة إليه ؛ لأنّ مع عدم ذكر الفاعل جَعْله البعضَ من غير قرينة ترجيحٌ من غير مرجِّح .
ثمّ أشار عليه السلام إلى وجه استغنائه واحتياج جميع الأشياء إليه بقوله : (وهو ذُو الطَّوْلِ) ، أي هو ذو الفضل والقدرة والغناء والسعة ، فكيف يكون محتاجا ، وجميع الأشياء حادثة تحتاج إلى مؤثّر ومدبّر لبقائها ، و (لا إلهَ إلاّ هو العزيزُ الحكيمُ) الذي عزّ بعدم احتياجه ، وحكم على جميع الأشياء بقدرته .
قوله عليه السلام : (أمّا قولُ الواصفينَ : إنّه يَنْزِلُ) .
«إنّ» مكسورة على تقدير كونها مقولة القول ، أو مفتوحة إذ كانت مع ما بعدها في تقدير مجرور بمحذوف ۲ باطّراد متعلّقٍ بالواصفين ، أو ب «قول» على تقدير كونه بمعنى وَصَف .
قوله عليه السلام : (فإنّما يَقولُ ذلك مَن يَنْسُبُهُ إلى نَقْصٍ أو زيادَةٍ) .
أي من يقول بتفاوت أحواله وصفاته وتغيّرها ؛ لأنّ من يقول بذلك يلزمه القول بهذا .
وقوله عليه السلام : (وكلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحتاجٌ ...) . دليلٌ على إبطال ما قالوه .
وتوضيحه : أنّ من يقول بالنزول يلزمه القول بالحركة ، ومنه القول بالمحرّك ، واللازم باطل بالدليل والإجماع ، فالملزوم مثله .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۵ ، ح۱ .

2.والمراد بالمحذوف هو الباء الجارّة .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 95693
صفحه از 715
پرینت  ارسال به