607
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث عيسى بن يونس ۱

قوله عليه السلام : (إنّما وَصَفْتَ المخلوقَ) .
أي إنّ قولك : (إذا كانَ في السماء كيف يكونُ في الأرض ؟ ...) ، لازمه من صفات المخلوق المحتاج إلى حيّز يشتغل به ، ولا يجوز خلوّه عنه ولا اشتغاله بحيّزين (فلا يدرى) حال كونه (في المكان الذي صارَ إليه ما يَحْدُثُ في المكان الذي كانَ فيه) ، أي من القائمين به الحالّين فيه .
(فأمّا اللّه ُ العظيمُ الشأنِ) المنزّه عن الاحتياج ، (المَلِكُ الديّانُ) وهو القهّار والقاضي والحاكم والمحاسب والمجازي ، الذي لا يضيع علما ، بل يجزي بالخير والشرّ ، (فلا يَخْلو منه مكانٌ ، ولا يَشتَغِلُ به مكانٌ) ، أي مع أنّه غير مشتغل به مكان ، لا يخلو مكان من علمه به وتدبيره له ، بخلافنا ، فإنّا إذا كنّا غائبين عن مكان خلينا عن العلم بأحواله .
قوله عليه السلام : (ولا يَكونُ إلى مكانٍ أقْرَبَ منه إلى مكانٍ) .
أي جميع الأشياء متساوية في القرب إليه تعالى من غير تفضيل . ولا يخفى أنّه ليس المراد بالقرب القربَ المكاني .

في حديث محمّد بن عيسى ۲

(فوَقَّعَ عليه السلام : عِلْمُ ذلك عِنْدَه ، وهو المُقَدِّرُ له بما هو أحسَنُ تقديرا) .
يحتمل ـ واللّه أعلم ـ أن يكون معنى هذا الكلام الشريف أنّه لمّا ۳ كان السائل يعلم إجمالاً أنّ القول بأنّ اللّه يتحوّل من مكان إلى مكان باطلٌ غير مستقيم ، وأراد من الإمام عليه السلام توضيحا لذلك ، ونقل عن بعض مواليه دليلاً على ذلك ، حاصله : أنّه إذا
جاز عليه تعالى التحوّل ، لزم أن يكون في موضع دون موضع ، وإذا كان كذلك لزم منه أن يلاقيه الهواء ويتكيّف عليه ؛ لأنّ الهواء جسم رقيق يتكيّف على كلّ شيء بقدره ، وكلّ شيء تكيّف الهواء عليه صار ظرفا له ، ذلك الشيء مظروفا مالئا له ، والظرف له طول وعرض وعمق وكيفيّة مخصوصة ، فالمظروف أيضا كذلك ، وكونه تعالى له كيفيّة ومثال باطل (فكيفَ يتكيّفُ۴الهواء عليه جلّ وعزّ على هذا المثال) أي فتكيُّف الهواء عليه أيضا باطل .
ولمّا كان تكيّف الهواء لازما للتحوّل وهو باطل ، كان الملزوم وهو التحوّل أيضا كذلك .
ولمّا كان يرد على هذا الدليل أنّه مع عدم التحوّل والانتقال من موضع إلى موضع لا يدلّ هذا على عدم تكيّف الهواء ، بل يحتاج إلى دليل آخر ، قال عليه السلام : «عِلْمُ ذلك عندَه ...» ، أي إنّا نعلم قطعا أنّه تعالى لا يجوز عليه التحوّل والانتقال ؛ لأنّه من صفات المخلوق ، ويلزم منه الاحتياج إلى غير ذلك ، ونعلم أيضا أنّه حاضر في كلّ مكان لتساوي جميع الأشياء بالنسبة إليه تعالى .
وأمّا كيفيّة الحضور ، فعِلْم ذلك عنده ، فالإشارة ب «ذلك» إلى كيفيّة الحضور في كلّ مكان الذي كان الظاهر من كلام الراوي التصديقَ به وإرادةَ بيانه وتوضيحه ؛ لأنّ نقله ما نقل كان على سبيل الإنكار له ، وأمّا ما ذكر ـ من لزوم تكيّف الهواء عليه ـ فباطل ، وقد أشار عليه السلام إلى وجه بطلانه بقوله : (وهو المُقَدِّرُ له ...) .
وتوضيحه : أنّه إذا كان من المعلوم أنّه تعالى هو المقدّر الهواء بما هو أحسن تقديرا ، فالهواء حادث ، وهو تبارك وتعالى قديم ، كانَ ولا هواء ؛ فلا لزوم .
ثمّ لمّا أرادَ عليه السلام أن يبيّن له معنى ما يجب أن يعتقد الذي كان السائل يعلمه
مجملاً ، وأراد منه عليه السلام البيان والتوضيح ، وهو الحضور في كلّ مكان وعدم جواز التحوّل والانتقال ، قال عليه السلام : (وَاعْلَمْ أنّه إذا كانَ ...) ، أي ليس المراد بأنّه في السماء الدنيا أنّه ليس على العرش ، وكذا العكس ، ولا منافاة فيه ، إنّما تحصل المنافاة في نظير هذا بالنسبة إلى المخلوق المفتقر إلى المكان الذي لا يجوز عليه الحلول في مكانين مرّة واحدة .
ثمّ نَبَّهَ عليه السلام على الدليل على أنّ حضوره في كلّ مكان على السويّة من غير حركة وانتقال وتحوّل بقوله : (والأشياءُ كُلُّها له سَواءٌ) ، أي إنّ الأشياء كلّها متساوية في علمه وقدرته وملكه وإحاطته ، فلو لم يكن كذلك اختلف ؛ لأنّه على هذا يكون علمه بما هو حاضر عنده أقوى وأكثرَ بالنسبة إلى ما هو غائب عنه ، وهكذا القدرة والملك والإحاطة . والاختلافُ باطل ؛ للزوم التغيّر والتبدّل في الصفات التي هي عين الذات اللازمِ منه حدوثها ؛ تعالى اللّه عمّا لا يليق به علوّا كبيرا ، واللّه أعلم بمقاصد أوليائه عليهم السلام .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۵ـ ۱۲۶ ، ح۳ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۶ ، ح۴ .

3.لم يأت له جواب .

4.كذا في بعض نسخ الكافي ، وفي الكافي المطبوع وبعض نسخ أُخرى للكافي «يتكنّف» . وتَكَنَّفه ، أي أحاط به . انظر : التعليقة للداماد ، ص۳۰۷ ؛ الوافي ، ج۱ ، ص۴۰۴ ؛ الصحاح ، ج۴ ، ص۱۴۲۴ (كنف) .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
606
  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97520
صفحه از 715
پرینت  ارسال به