611
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث الحسن بن موسى الخَشّاب ۱

قوله عليه السلام : (اسْتَوى على كلِّ شَيْءٍ ...) .
لمّا كان هنا سؤالان : الأوّل عن وجه تخصيص الاستواء بكونه على العرش ، والثاني عن معناه ، أجاب عليه السلام أوّلاً بأنّه استوى على جميع الأشياء . ولا يلزم من الإخبار باستوائه على العرش عدمُ استوائه على غيره ، ثمّ قال : (فَلَيْسَ شَيْءٌ أقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ شَيْء) أي ليس معنى الاستواء على الشيء هنا العلوّ كما هو بالنسبة إلينا ، بل المراد استيلاء علمه وقدرته [على] جميع الأشياء بحيث لا يكون شيء أقرب إليه بالنسبة إلى آخر ، بل الجميع متساوية في علمه بها وقدرته عليها ؛ وهكذا الحديث الآخر .
وفي الحديثين الآخرين بيان لهذا البيان ، واللّه أعلم .

باب العرش والكرسيّ

في حديث أحمد بن محمّد البرقي ۲

قوله عليه السلام : (اللّه ُ عَزَ وجَلَّ حامِلُ العرشِ والسماواتِ والأرضِ وما فيهما ...) .
لمّا كان حمل اللّه الأشياء بمعنى إمساكها وحفظها عن التلف والزوال وهو ليس كحملنا ، أجابَه عليه السلام بأنّه يحمل العرش وغيره من السماوات والأرض وجميع ما فيهما لا غيره . وقرينة إرادة الإمساك من لفظ الحمل ما استشهد به عليه السلام ، وإلاّ لم يصلح شاهدا .
ثمّ لمّا سأله السائل عن معنى قوله تعالى : « وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَـلـءِذٍ ثَمَـانِيَةٌ »۳ لما فيه بحسب الظاهر من المنافاة ، أجابَه عليه السلام بما مضمونه أنّ بين الحمل في كلامه عليه السلام ـ الذي يجوز إطلاقه عليه تعالى ـ والحملِ في الآية اشتراك لفظيّ لا معنويّ ۴ ؛ فإنّ الأوّل بمعنى الإمساك ، والثانيَ بمعنى التحمّل . وبَيَّنَ عليه السلام أنّ العرش المحمول هو العلم الذي هو جزء العرش ، وبَيَّنَ أنّه تعالى خلقه من أنوار أربعة ، فيكون من باب إطلاق الكلّ وإرادة الجزء ، والمجوّزُ كونُه أعلى الأفراد .
قوله عليه السلام : (فبِعَظَمَتِه ونورِه أبْصَرَ قلوبُ المؤمنينَ ...) .
«قلوب» مرفوع على الفاعليّة ، أي إنّ العظمة والنور الذي هو العلم إبصارُ قلوب المؤمنين بسببه لا لتباسها به ، وأيضا معاداة الجاهلين بسببه لخلوّهم منه ، وأيضا بسببه ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة ؛ لأنّ حصول الابتغاء إنّما يكون بعد حصول العلم .
فقوله : «وهو العلم» بيان للنور الأبيض ، ويحتمل أن يكون المراد بالنور في قوله : «فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين» النورَ الأبيضَ الذي فسّره بالعلم ؛ وفي قوله : (وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) النورَ الأصفرَ ، وفي قوله : (وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض ...) النورَ الأخضرَ والأحمرَ ، ليكون من ابتغى بالدين الحقّ مبتغيا بالنور الأخضر ، ومن ابتغى بالدين الباطل مبتغيا بالنور الأحمر ، فيكون النشر على ترتيب اللفّ ، بقرينة تقدّم الحقّ على الباطل ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام : (فكلُّ محمولٍ يحْمِلُهُ اللّه ُ ...) .
جملة «يحمله اللّه » صفة «محمول» و«لا يستطيع» الخبر ، أي إذا تحقّق أنّه تعالى ممسك الأشياء وأنّ جميعها في قبضته ومنقادة لإرادته يفعل ما يشاء ويحكم مايريد ، فاعلم أنّ اللازم من هذا أنّ كلّ محمول موصوف بأنّ اللّه يحمله ـ أي يمسكه (بنورِه وعظمتِه وقدرتِه) ، أي جميع الأشياء ؛ لأنّها كلّها موصوفة بهذه الصفة ـ (لا يَستطيعُ لنفسه ضَرّا ولا نَفعا ولا مَوتا ولا حَياةً ولا نشورا) ، لعجزه وافتقاره ؛ فعلم أنّ كلّ شيء محمول ؛ لأنّه مفتقر ، وكلّ مفتقر حادث ، والحادث يحتاج إلى محلّ ومكان يستقرّ فيه ،
وأنّ «اللّه تبارك وتعالى هو الممسك لهما» ، أي للحامل والمحمول من الزوال ، «والمحيط بهما» بالقدرة والعلم «من شيء» ، أي من أن يطرأ عليهما شيء بغير إرادته وعلمه .
ويظهر من هذا الكلام الشريف الدليلُ على أنّه تعالى حاملاً لا محمولاً ۵ ؛ لأنّ كلّ حامل سواه مفتقر إلى حفظه وإمساكه ، فهو حادث ، واللّه تعالى قديم مستغن عنه .
وفي قوله عليه السلام : « سُبْحَـانَهُو وَ تَعَـالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا »۶ تنبيه عليه ، ويصرّح به آخر الحديث وهو قوله عليه السلام : (وكَيْفَ يَحْمِلُ حَمَلَةُ العرشِ [اللّه َ] ...) .
قوله عليه السلام : (وَلَيْسَ يَخرُجُ عن هذه الأربعةِ) .
الظاهر ـ واللّه أعلم ـ أنّ الإشاره إلى الأنوار .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۷ ، ح۶ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۲۹ ، ح۱ .

3.الحاقة (۶۹) : ۱۷ .

4.كذا ، والصحيح : «اشتراكا لفظيا لا معنويا» .

5.كذا ، والصحيح : «حامل لا محمول» .

6.الإسراء (۱۷) : ۴۳ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
610
  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77843
صفحه از 715
پرینت  ارسال به