في حديث صفوان بن يحيى ۱
قوله عليه السلام : (كلُّ محمولٍ مفعولٌ به ، مُضافٌ إلى غيرِه ...) .
لمّا سأله السائل عن أنّه هل يقرّ بأنّ اللّه محمول ؟ أجابه عليه السلام بالدليل على عدم الإقرار من أوّل مرّة ؛ لأنّ السائل لم يكن من مواليه عليه السلام حتّى يقنع بالجواب
عن الدليل ، فقال: إنّ المحمول مفعول به مضاف إلى الغير ، وهو الحامل ؛ والمضافُ محتاج إلى المضاف إليه ، وإلاّ لم يكن مضافا ، واللّه تبارك وتعالى لا يوصف بعجز واحتياج .
ثمّ استدلّ عليه السلام بدليل آخر حاصله أنّ اللّه تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى ، والمحمول صفة «نقصٍ» فليس منها ، فليس من أسمائه .
وثالثا : إنّ أسماءه تعالى كلّها توقيفيّة ، موقوفة على تسمية نفسه بها ، (ولم يَقُلْ في كُتُبه : إنَّه المحمولُ ، بل قال : إنّه الحاملُ في البرِّ والبحرِ والمُمْسِكُ ...) ، والمحمول غير الحامل ؛ فلهذا قال عليه السلام : (والمحمولُ ما سوى اللّه ِ) .
ثمّ لمّا كان يمكن أن يقال : لا يلزم أن تكون أسماؤه تعالى كلّها مذكورةً في الكتب ، بل يكفي إخبار الصادق عليه السلام بها ، قال عليه السلام : (ولم يُسْمَعْ) بالبناء للمفعول . (أحَدٌ آمَنَ باللّه العظيم۲قَطُّ قالَ في دعائه : يا مَحمولُ) .
أي لو وقع الإخبار لشاع ودُعي به ؛ لأنّ الدعاء علّة لخلق الأسماء ، وهو لا يحصل [إلاّ بها] .
قوله عليه السلام : (العرشُ ليس هو اللّه َ) .
لمّا توهّم السائل من الآيتين أنّ اللّه تعالى محمول ، أجابه عليه السلام أنّ المحمول هو العرش ، لا هو تعالى .
ثمّ فسّر العرش بقوله : (والعرشُ اسمُ عِلْمٍ وقدرةٍ ...) .
وفي هذا دليل على أنّ العلم جزء العرش ، وأنّ المراد بقوله في الحديث السابق : «وهو العلم» أنّ النور الأبيض هو العلم ، واتّضح معنى قوله فيه : و «بعظمته ونوره عاداه الجاهلون» أي بقدرته ، بمعنى أنّه لم يكن عاجزا عن جبرهم على محبّته . وهكذا تمام الحديث ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام : (ثمّ أضافَ الحَمْلَ إلى غيرِه خِلْوا۳من خَلْقه ...) .
أي ثمّ اعلم أنّه أضاف الحمل إلى غيره الذي هو الخلق حالَ كونه خلوا من خلقه الحاملين ، أي جعلهم منفردين بحمله (لأنّه استَعْبَدَ خَلْقَه بحَمْلِ عَرْشِه) ، والعرش العلم وهو مخلوق ، (هم) ، أي الخلق (حَمَلَةُ عِلْمِه) ، أي العلمِ الذي خلقه لأنْ يحمله الخلق ، و «خَلْقا يسبّحونه» ، أي ينزّهونه ويقرّون له بالعبوديّة ، (وهم يَعْلَمونَ بعِلْمِه) ، أي إنّ علمهم مخلوق خلقه اللّه تعالى ، (وملائكته۴يَكْتبونَ أعمالَ عبادِه) ، أي إنّ هذا العلم الذي أودعهم اللّه إيّاه جعل عليه حُرّاسا من الملائكة لئلاّ يضيعوه ، فإذا تحقّق أنّ حامل هذا العلم مستعبد وأنّه مخلوق وأنّ حملته مفتقرون مأمورون بحفظه ، وأنّ عليهم حرّاسا لحفظ ذلك العلم ، عُلم قطعا أنّ حمل هذا العلم مخصوص بالمخلوقَ .
وليتذكّر أنّ حمل اللّه جميع الأشياء بمعنى الحفظ والإمساك ، وهو مناف لحمل الخلق لئلاّ يرد ما يرد .
قوله عليه السلام : (واسْتَعْبَدَ أهلَ الأرْضِ للطوافِ۵حَوْلَ بَيْتِه) .
أي وأيضا هو تعالى استعبد أهل الأرض للطواف حول البيت الذي خلقه اللّه تعالى واصطفاه ، فكما أنّ الطواف مخصوص بالخلق فكذلك الحمل ؛ لأنّ كلاًّ منهما استعباد .
قوله عليه السلام : (والعرشُ ومَن يَحمِلُه ومَن حَوْلَ العرشِ) .
معطوفات ، والعرش معطوف على «أهل الأرض» ، أي واستعبد العرش ومن يحمله ومن حول العرش ، مثل ما استعبد أهل الأرض وحملة العرش .
وقوله عليه السلام : (واللّه ُ على العرشِ اسْتوى ، كما قال) . جملةٌ معترضة ، أي معنى الاستواء المفهوم من الآية الشريفة ما قاله وهو الإمساك والحفظ الدالّ على قوله
عزّ وجلّ : « إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَـاوَاتِ وَ الْأَرْضَ ... »۶ . وإنّما أتى بها معترضةً تمهيدا لما سيذكر ، لئلاّ يتوهّم أنّ الاستواء بمعنى الكينونة حتّى يرد أنّهم إذا كانوا حاملين للعرش كانوا حاملين ما عليه .
قوله عليه السلام : (واللّه ُ الحاملُ لهم) .
لمّا دلّ هذا الكلام الشريف على أنّ جميع الأشياء مخلوقة ، عُلم أنّه لابدّ لها من حافظ وممسك ، فقال عليه السلام : «واللّه الحامل لهم» ، فغلب من يعقل على غيره .
وقوله عليه السلام : (الحافِظُ لهم ، المُمْسِكُ لهم۷...) بيان للحامل .
قوله عليه السلام : (ولا يُقالُ : مَحْمولٌ) .
أي إذا علم أنّه الخالق والممسك لا غيره ، فلا يقال : إنّه محمول ؛ لأنّه الحامل على الإطلاق .
قوله عليه السلام : (ولا أسْفَلُ قولاً مفردا لا يُوصَلُ بشيءٍ) .
أي ولا يقال : إنّه أسفل من دون ضمّ شيء عن أضداده إليه ؛ لأنّه إذا قيل منفردا فسد اللفظ والمعنى ؛ وذلك لأنّه إذا ضمّ إليه الضدّ كان معناه أنّه الحاضر في كلّ مكان ، وهو من الأسماء الحسنى ، فيصلح اللفظ والمعنى ، بخلافه مع عدم الضميمة ، فإنّه اسمُ نقصٍ لا يصلح كونه من الأسماء الحسنى .
قوله عليه السلام : (كيف تَجتَرِئُ أنْ تَصِفَ ربَّك بالتغيير ...) .
أي لازم التصديق بهذه الرواية وصف اللّه تعالى بالتغيير ، فكيف تجترئ على وصفه بهذه الصفة ، وتصدق الرواية ، والحال أنّه تعالى (لم يَزُلْ مع الزائلين) ، أي إذا زالت الأشياء كلّها فهو باق ، (ولم يَتَغَيَّرْ مع المتغيّرين ، ولم يَتَبَدَّلْ مع المُتبدِّلينَ) .
والحاصل أنّ تغيّر اللّه تبارك وتعالى باطل محال ، ومفهوم هذه الرواية يدلّ عليه ، فهي مردودة مكذّبة .
وفي قوله : (وهو غَنِيٌّ عمّن سِواهُ) تنبيهٌ على دليل عدم جواز التغيّر عليه تعالى ؛ لأنّ كلّ متغيّر محتاج .
1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۰ ، ح۲ .
2.في الكافي المطبوع : «وعظمته» بدل «العظيم» .
3.في الكافي المطبوع : «خَلْقٍ» .
4.في الكافي المطبوع : «وملائكةً» .
5.في الكافي المطبوع : «بالطواف» .
6.فاطر (۳۵) : ۴۱ .
7.في الكافي المطبوع : - «لهم» .