625
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث الفتح بن يزيد الجُرجاني ۱

قوله عليه السلام : (وإنَّ الخالِقَ لا يُوصَفُ ...) .
لمّا حذّر عليه السلام عن سخط الخالق ، ونهى عن فعل ما يسخطه ، نَبَّهَ على فرد من أفراده لمزيد الاهتمام به ؛ لأنّ الناس كثيرا ما يفعلونه معتقدين جوازه ، مصرّين عليه ، فكان أحقّ بالتنبيه ؛ ولأنّه أعظم مُسخط .
قوله عليه السلام : (إذ هو مُنْقطعُ الكيفوفة والأينونة۲) أي إنّ الكيفوفة والأينونة ـ أي كون الشيء له كيف وله أين ـ صفةٌ تصدق على كلّ فرد فرد من الأشياء ، فإذا وصلت إليه تعالى انقطعت عن الصدق عليه .

في حديث محمّد بن أبيعبداللّه ۳

قوله عليه السلام : (ولكن رأتْه القلوبُ بحقائق الإيمانِ) .
أي بالأشياء الحقّة التي لابدّ في الإيمان من معرفتها والتصديق بها حتّى يكون المؤمن مؤمنا . ولا يخفى كون «رأى» هنا بمعنى «علم» بقرينة «القلوب» .
ثمّ بيّنها عليه السلام بقوله : (إنّ ربّي لطيفُ ...) ، فقوله : «إنّ ربّي لطيف اللطافة» ، أي لطافته ـ بمعنى نفاذ علمه وقدرته في الأشياء ـ لطيفةٌ ، أي لا يمكن إدراكها .
ولمّا كان معنى اللطف في المخلوق الصغرَ والقلّةَ ، نَبَّهَ عليه السلام على تنزّهه تعالى عنه ، فقال : (لا يوصف باللطف) . وتمام الحديث بيان لمباينة معاني صفاته الحسنة صفاتِ المخلوق ، وأنّ الاشتراك إنّما هو في اللفظ فقط .
قوله عليه السلام : (و۴بِتَشْعيرِهِ ...) .
وذلك لأنّها جميعا حادثة ، وهي خَلْق من خَلْقه ، وهو تعالى قديمٌ منزّهٌ عن الاحتياج إلى الحوادث .
قوله عليه السلام : (وبتَجْهيره الجواهرَ ...) .
أي بسبب إظهاره جميع الجواهر ـ بدلالة «ال» ـ مِنْ كَتْمِ العدم إلى الوجود علم أنّه لا جوهر له ؛ لسَبْقه وتقدّمه عليها .
قوله عليه السلام : (وبمُضادَّتِه بينَ الأشياء عُلم أنّه۵لا ضِدَّ له) .
الضدّان شيئان بينهما غاية الخلاف ، أي خَلْقه جميع الأشياء متضادّةً دالٌّ على تمام قدرته ، ومَن كان هكذا فمعلوم أنّه لا ضدّ له ؛ لأنّه لوكان له ضدّ لما كان متّصفا بتمام القدرة . ولا يخفى أنّ المراد بالضدّ الثاني المضادّ والمناوي .
قوله عليه السلام : (وبمُقارنته بين الأشياء ...) .
وذلك أيضا لدلالته على تمام القدرة التي يستدلّ بها على عدم القرين ، وقد مثَّل لهما بقوله : (ضادَّ النورَ بالظلمة ...) .
قوله عليه السلام : (دالَّةً بتفريقِها على مُفرِّقِها) .
وذلك لأنّه لوكانت تقتضي ذلك بنفسها كما ذهب إليه الدهريّة ، للزم منه اتّفاقها في جميع الأشياء ؛ لأنّ العلّة حينئذٍ واحدة ، ولا إرادة متعدّدة ولا قدرة ولا اختيار ، فتفرّقها في الصفات والأحكام دالّ على أنّ لها مفرِّقا وصانعا قادرا مختارا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
قوله عليه السلام : (ففَرَّقَ بين قَبْلٍ وبَعْدٍ ...) .
أي خلق الأشياء متغيّرة متبدّلة ، ففرق بين قبلها وبعدها ، كالإنسان في نشوه وتبدّله من التراب إلى اللحم والدم ، ومنه إلى الرفات والرميم ، وهكذا جميع صفاته ،
وقس عليه الأشياء ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، أي إنّ قبله ليس غير بعده ، بل هو الأوّل والآخر ؛ وذلك لأنّ تغيّرها يدلّ على حدوثها ، وحدوثها على احتياجها إلى صانع غير متّصف به ، لئلاّ يلزم الدور أو التسلسل ، وهو اللّه لا سواه .
قوله عليه السلام : (شاهِدَةً بغرائزها أن لا غريزةَ لمُغْرِزِها) .
الغريزة : الطبيعة ، أي إنّ جميع الأشياء شاهدة بسبب أنّ لها غريزةً أنّ مغرزها ـ أي الذي جعل لها غريزة ، وخلق الغريزة ـ لا غريزة له ؛ لعلمها بأنّ الغريزة خَلْق من خَلْقه وأنّه تعالى سابق عليها ؛ ضرورة تقدّم العلّة على المعلول ، فلا يكون متّصفا بها .
وهذا صريح في أنّ لكلّ شيء من الأشياء طبيعةً من الطبائع ، وأنّها غيره ، فانتفى وجودٌ مجرّد عن جميع الأشياء سواه تعالى ؛ فليتأمّل .
قوله عليه السلام : (مُحَبِّرَةً۶بتوقيتِها أن لا وَقْتَ لموقِّتِها) .
تحبير كلّ شيء : تحسينُه ، أي دالّة بأحسن دليل بسبب أنّ لها وقتا أنّ موقّتها وخالق وقتها لا وقت له ، بالدليل الذي تقدّم .
وهكذا قوله : (حَجَبَ بعضَها عن بعضٍ ...) .
لأنّ الحاجب مخلوق حجب بين مخلوقين .
وقوله عليه السلام : (كانَ ربّا ...) دليلٌ على جميع ما تقدّم .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۷ ، ح۳ .

2.في الكافي المطبوع : «الكيفوفيّة والأينونيّة» .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۸ ، ح۴ .

4.في الكافي المطبوع : - «و» .

5.في الكافي المطبوع : «عرف أن» بدل «علم أنّه» .

6.في الكافي المطبوع : «مخبرة» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
624

في حديث إبراهيم ۱

(إنّ اللّه َ تبارك اسمُه) .
تبارك اللّه تقدَّس وتنزَّه صفةٌ خاصَّة باللّه ، فالمراد بتبارك الاسم ـ واللّه أعلم ـ دلالته على تقدّس المسمّى وتنزّهه ، أي أسماؤه تعالى كلّها حسنة .
قوله عليه السلام : (وتعالى ذِكْرُه) .
يحتمل أن يكون المراد بالذكر القرآنَ ، أو الصيتَ والثناء والشرف ، أو الحفظ للأشياء ، أو دعاءه ومناجاته ؛ فإنّه أحسن شيء نطق به ، وباقي الصفات مرّ تفسيرها في الأحاديث السابقة ، وأنّ صفاته تعالى مباينة لصفاتنا ، إنّما الاشتراك في اللفظ دون المعنى .
قوله عليه السلام : (لأنّه بالكيفيّةِ لا يُتَناهى إليه) ـ بالبناء للمفعول ـ تعليلٌ لقوله : (يَعْجِزُ الواصفونَ عن كُنْهِ صِفَتِه ...) وذلك لأنّه إنّما يمكن الوصول إلى العلم بالأشياء بعد العلم بكيفيّاتها ، فطُرُق الوصول منحصرة في العلم بالكيفيّة ، وهو محال ؛ فالوصول محال .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۷ ، ح۲ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97101
صفحه از 715
پرینت  ارسال به