في حديث الفتح بن يزيد الجُرجاني ۱
  قوله عليه السلام : (وإنَّ الخالِقَ لا يُوصَفُ ...) . 
 لمّا حذّر عليه السلام عن سخط الخالق ، ونهى عن فعل ما يسخطه ، نَبَّهَ على فرد من أفراده لمزيد الاهتمام به ؛ لأنّ الناس كثيرا ما يفعلونه معتقدين جوازه ، مصرّين عليه ، فكان أحقّ بالتنبيه ؛ ولأنّه أعظم مُسخط . 
قوله عليه السلام : (إذ هو مُنْقطعُ الكيفوفة والأينونة۲) أي إنّ الكيفوفة والأينونة ـ أي كون الشيء له كيف وله أين ـ صفةٌ تصدق على كلّ فرد فرد من الأشياء ، فإذا وصلت إليه تعالى انقطعت عن الصدق عليه .
في حديث محمّد بن أبيعبداللّه ۳
  قوله عليه السلام : (ولكن رأتْه القلوبُ بحقائق الإيمانِ) . 
 أي بالأشياء الحقّة التي لابدّ في الإيمان من معرفتها والتصديق بها حتّى يكون المؤمن مؤمنا . ولا يخفى كون «رأى» هنا بمعنى «علم» بقرينة «القلوب» . 
 ثمّ بيّنها عليه السلام بقوله : (إنّ ربّي لطيفُ ...) ، فقوله : «إنّ ربّي لطيف اللطافة» ، أي لطافته ـ بمعنى نفاذ علمه وقدرته في الأشياء ـ لطيفةٌ ، أي لا يمكن إدراكها . 
 ولمّا كان معنى اللطف في المخلوق الصغرَ والقلّةَ ، نَبَّهَ عليه السلام على تنزّهه تعالى عنه ، فقال : (لا يوصف باللطف) . وتمام الحديث بيان لمباينة معاني صفاته الحسنة صفاتِ المخلوق ، وأنّ الاشتراك إنّما هو في اللفظ فقط . 
قوله عليه السلام : (و۴بِتَشْعيرِهِ ...) . 
 وذلك لأنّها جميعا حادثة ، وهي خَلْق من خَلْقه ، وهو تعالى قديمٌ منزّهٌ عن الاحتياج إلى الحوادث . 
قوله عليه السلام : (وبتَجْهيره الجواهرَ ...) . 
 أي بسبب إظهاره جميع الجواهر ـ بدلالة «ال» ـ مِنْ كَتْمِ العدم إلى الوجود علم أنّه لا جوهر له ؛ لسَبْقه وتقدّمه عليها . 
قوله عليه السلام : (وبمُضادَّتِه بينَ الأشياء عُلم أنّه۵لا ضِدَّ له) . 
 الضدّان شيئان بينهما غاية الخلاف ، أي خَلْقه جميع الأشياء متضادّةً دالٌّ على تمام قدرته ، ومَن كان هكذا فمعلوم أنّه لا ضدّ له ؛ لأنّه لوكان له ضدّ لما كان متّصفا بتمام القدرة . ولا يخفى أنّ المراد بالضدّ الثاني المضادّ والمناوي . 
قوله عليه السلام : (وبمُقارنته بين الأشياء ...) . 
 وذلك أيضا لدلالته على تمام القدرة التي يستدلّ بها على عدم القرين ، وقد مثَّل لهما بقوله : (ضادَّ النورَ بالظلمة ...) . 
قوله عليه السلام : (دالَّةً بتفريقِها على مُفرِّقِها) . 
 وذلك لأنّه لوكانت تقتضي ذلك بنفسها كما ذهب إليه الدهريّة ، للزم منه اتّفاقها في جميع الأشياء ؛ لأنّ العلّة حينئذٍ واحدة ، ولا إرادة متعدّدة ولا قدرة ولا اختيار ، فتفرّقها في الصفات والأحكام دالّ على أنّ لها مفرِّقا وصانعا قادرا مختارا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . 
قوله عليه السلام : (ففَرَّقَ بين قَبْلٍ وبَعْدٍ ...) . 
 أي خلق الأشياء متغيّرة متبدّلة ، ففرق بين قبلها وبعدها ، كالإنسان في نشوه وتبدّله من التراب إلى اللحم والدم ، ومنه إلى الرفات والرميم ، وهكذا جميع صفاته ، 
 وقس عليه الأشياء ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، أي إنّ قبله ليس غير بعده ، بل هو الأوّل والآخر ؛ وذلك لأنّ تغيّرها يدلّ على حدوثها ، وحدوثها على احتياجها إلى صانع غير متّصف به ، لئلاّ يلزم الدور أو التسلسل ، وهو اللّه لا سواه . 
قوله عليه السلام : (شاهِدَةً بغرائزها أن لا غريزةَ لمُغْرِزِها) . 
 الغريزة : الطبيعة ، أي إنّ جميع الأشياء شاهدة بسبب أنّ لها غريزةً أنّ مغرزها ـ أي الذي جعل لها غريزة ، وخلق الغريزة ـ لا غريزة له ؛ لعلمها بأنّ الغريزة خَلْق من خَلْقه وأنّه تعالى سابق عليها ؛ ضرورة تقدّم العلّة على المعلول ، فلا يكون متّصفا بها . 
 وهذا صريح في أنّ لكلّ شيء من الأشياء طبيعةً من الطبائع ، وأنّها غيره ، فانتفى وجودٌ مجرّد عن جميع الأشياء سواه تعالى ؛ فليتأمّل . 
قوله عليه السلام : (مُحَبِّرَةً۶بتوقيتِها أن لا وَقْتَ لموقِّتِها) . 
 تحبير كلّ شيء : تحسينُه ، أي دالّة بأحسن دليل بسبب أنّ لها وقتا أنّ موقّتها وخالق وقتها لا وقت له ، بالدليل الذي تقدّم . 
 وهكذا قوله : (حَجَبَ بعضَها عن بعضٍ ...) . 
 لأنّ الحاجب مخلوق حجب بين مخلوقين . 
وقوله عليه السلام : (كانَ ربّا ...) دليلٌ على جميع ما تقدّم .
 
                        1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۷ ، ح۳ .
2.في الكافي المطبوع : «الكيفوفيّة والأينونيّة» .
3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۸ ، ح۴ .
4.في الكافي المطبوع : - «و» .
5.في الكافي المطبوع : «عرف أن» بدل «علم أنّه» .
6.في الكافي المطبوع : «مخبرة» .