641
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث مالك الجهني ۱

قوله عليه السلام : (ما فَتَرُوا عن الكلامِ فيه) .
أي ما سكنوا أو ما ضعفوا ؛ لأنّ محبّة الشيء تورث حدّة وخفّة في تحصيله .

في حديث مُعَلّى بن محمّد ۲

قوله عليه السلام : (عَلِمَ وشاءَ ، وأرادَ وقَدَّرَ ، وقَضى وأمْضى) .
لمّا سئل عليه السلام عن كيفيّة علمه تعالى ـ وكانت كيفيّات العلم مختلفةً ؛ لأنّ العلم قد يتعلّق بفعل العالم ومشيئته وإرادته وقَدَره وقضائه ، وقد يتعلّق بأفعال غيره كلِّها أو بعضِها ـ أخبر عليه السلام أنّ جميع الأشياء التي يتعلّق علمه بها مخلوقة له ، فهو تعالى «أمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد» .
ثمّ لمّا كان هذا الكلام الشريف غيرَ دالّ صريحا على أنّ علمه تعالى بما شاء أزليّ ، وأنّ جميع هذه الأشياء منحصرة فيه ، قال عليه السلام : (فبعِلْمِه كانَتْ المشيئةُ) أي علمُه تعالى الذاتي بأنّ الحكمة تقتضي هذه المشيئة ـ لا العلمُ المكتسب بالتجربة
والتعلّم والاستدلال ـ كان سببا وعلّة للمشيئة ولابدّ من تقدّم العلّة على المعلول .
(وبمشيئته كانَتِ الإرادةُ) أي إنّ إرادته للأشياء سببها مشيئته من غير أن يدعو لها داع أو يحوج إليها شيء .
وهكذا قوله عليه السلام : (وبإرادته كانَ التقديرُ ...) .
فظهر من هذا تقدّم العلم على المشيئة وتقدّم المشيئة على الإرادة ؛ لكون كلّ منها علّة للآخر ؛ فالعلم مقدّم على جميعها .
ثمّ لمّا أوهم الكلام السابق أنّ التقدير واقع على القضاء ـ سواء كان متّصفا بالإمضاء أم لا ـ فلا يوجد قضاء بغير تقدير ، أخبر عليه السلام أنّ التقدير لا يقع على القضاء إلاّ إذا كان متّصفا بالإمضاء ، فقال : (والتقديرُ واقعٌ على القضاء بالإمضاء) فالإمضاء سبب لوقوع التقدير على القضاء .
قوله عليه السلام : (فللّه تبارك وتعالى البداءُ فيما عَلِمَ متى شاء ...) .
أي له البداء فيما علم أنّه سيغيّره متى شاء ، فعلى هذا كلّما بدا له شيء فلابدّ وأن يكون عالما به قبلُ ، وأن تكون علّته منحصرةً في مشيئته ؛ لما تحقّق أنّ العلم سابق على المشيئة وعلّة لها ، وأنّ المشيئة علّة لجميع الأشياء .
ولا يخفى عليك أنّ المراد بقولنا : العلم علّة للمشيئة ، الصفةُ الذاتيّة غير المكتسبة ، لا العلم الجزئي بهذه المشيئة ؛ فتأمّل .
ثمّ لمّا كان قوله عليه السلام : «للّه تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء» شاملاً لإرادة المقدَّر المَقضيّ أو المقضيّ فقط أو غيرهما ، قال عليه السلام : (وفيما أرادَ بتقدير۳الأشياء) فحصر الإرادة في إرادة تقدير الأشياء ، فدخلت الأخيرتين ۴ وخرجت الأُولى ؛ لأنّ التقدير لايكون إلاّ لغير المقدَّر .
ثمّ لمّا كان خروج الأُولى في نهاية الخفاء ، قال عليه السلام : (فإذا وَقَعَ القضاءُ بالإمضاء فلا بَداءَ) .
قوله عليه السلام : (فالعلمُ في المعلومِ۵قبلَ كونِه) .
أي فعلم ممّا تقرّر أنّ العلم سابق على المعلوم ، والمشيئة سابقة على المنشأ ۶ ، والإرادة سابقة على المراد ، وأنّ تقدير هذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيفها ، فبعد وقوع التقدير لا يكون تقدير .
(والقضاءُ بالإمضاء هو المُبْرَمُ) أي القضاء المصاحب للإمضاء أو الموصوف بالإمضاء ، أي القضاء الماضي هو المبرم المحكم الذي وقع فيه التقدير (من المفعولات ...) ، فالجارّ متعلّق بالمبرم .
وقوله : (ذواتِ الأجسامِ) بدلُ بعضٍ من «المفعولات» ، وقوله : «ومادَبَّ» معطوف على «ذوات الأجسام» .
قوله عليه السلام : (فَلِلّهِ تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عَيْنَ له ...) .
أي فعلم أنّ البداء لا يكون إلاّ قبل وقوع القَدَر وتحقّق العين وخروجها إلى الوجود ، فإذا وقع القَدَر وتحقّقت العين وتعينّت ، فلا بداء .
قوله عليه السلام : (واللّه ُ يَفْعَلُ مايَشاءُ) .
أي إنّ علّة أفعاله تعالى مشيئته ، فلا يفعل شيئا من دون مشيئته .
ثمّ لمّا كان هذا يوهم أنّها علّة بلا واسطة لكلّ مخلوق ، وأنّها ليست معلولة لشيء آخر ، بيّن عليه السلام أنّها معلولة العلم الذي هو عين الذات ، وأنّ معرفة صفات المخلوقات وحدودِها ، وإنشاءَها قبل إظهارها ، يحصل بالمشيئة ، فالظرف ۷ متعلّق
ب «عرف» ، ولا يجوز كونه صفة للإنشاء ؛ لأنّ العرض مفتقر إلى محلّ يقوم به ، وأنّ ظهورها وتميز أنفسها حالَ كونها في ألوانها وصفاتها التي شاءها اللّه لها يحصل بالإرادة .
فإن قيل : قوله عليه السلام : «وبالمشيئة عرف صفاتها» يدلّ على أنّ العلم بالصفات والحدود حادث لحدوث علّته .
قلنا أولاً : إنّه قد بيّن عليه السلام أنّ العلم سابق على المشيئة ، والمشيئة لا تكون إلاّ لشيء ؛ فعلمه تعالى سابق على ذلك الشيء أيضا .
وثانيا : إنّه ليس المراد إلاّ أنّ علمه تعالى ليس كعلمنا في كونه لا يحصل إلاّ بعد خروج الشيء من العدم إلى الوجود ، بل هو في حال مشيّته إيجادَ العدوم عالم بجميع جزئيّاته قبل خروجه من كتم العدم .
قوله عليه السلام : (فبالتقدير۸قدّر أقواتها ...) .
وذلك لأنّ التقدير هو إمضاء القضاء وتحقُّقُه ، وإذا تحقّق وخرج من كتم العدم ، فلابدّ له من القوت ، فتقدير الأقوات من معلولات التقدير ، وكذلك أيضا بالتقدير «عرف أوّلها وآخرها» ؛ لأنّ معنى التقدير وجود شيء وبقاؤه مدّةً معيّنة .
ثمّ لمّا أوهم هذا أنّ الأقوات ليس فيها قضاء غير ممضى ، بل كلّها مقدّرة ممضاة لابدّ من أن تصل ، فلا يحتاج في تحصيلها إلى تعب وسعي ، قال عليه السلام : (بالقضاء أبانَ [للناس] أماكِنَها ، ودَلَّهُم عليها ، وبالإمضاء شَرَحَ عِلَلَها وأبانَ أمْرَها) أي بسبب أنّه تعالى قضاها لهم دلّهم عليها ، فإن استدلّوا مُضيَّ القضاء فوصولها إليهم وانتفاعهم لها إنّما يكون بعد مضيّ القضاء ، وهو إنّما يكون بعد طلبه والسعي فيه ؛ فليتأمّل في هذه الكلمات الوجيزة ليظهر ما خطر في فكري الفاتر في معنى هذا الخطاب العظيم ؛ نسأل اللّه العفو عن الخطأ والزلل .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۸ ، ح۱۲ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۸ ، ح۱۶ .

3.في الكافي المطبوع : «لتقدير» .

4.كذا ، والصحيح : «الأخيرتان» .

5.كذا في الكافي المطبوع وبعض نسخه ، وفي بعض نسخ أُخرى للكافي : «بالمعلوم» .

6.كذا ، والصحيح : «المَشِيء» .

7.المراد به قوله : «قبلَ إظهارها» أي عرف قبل إظهارها .

8.في الكافي المطبوع : «وبالتقدير» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
640

في حديث مالك الجهني ۱

قوله عليه السلام : (لا مُقدَّرا ولا مُكوَّنا) .
أقول : التقدير والتكوين والمشيئة والإرادة وأمثالها من صفات الفعل ، وهي حادثة ، ففسّر عليه السلام قوله تعالى : « وَلَمْ يَكُ شَيْئا »۲ بقوله : «لا مقدّرا ولا مكوّنا» ، فالإخبار عن الحالة ـ التي هي قبل هذا ـ من المخلوقين .
ثمّ فسّر عليه السلام قوله تعالى : « لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا »۳ بقوله : (كان مقدّرا غير مذكور) أي كان مقدّرا غير مكوّن ؛ لأنّ كلّ مكوّن مذكور .
والفرق بين الآيتين أنّ الشيء في الأُولى باق على إبهامه ، وفي الثانية مخصَّص بالوصف .

في حديث الفُضيل بن يَسار ۴

قوله عليه السلام : (عِلْمانِ) .
لا يتوهّم من هذا تعدّد العلم ؛ لأن التعدّد بالنسبة إلى علم الملائكة والرسل به وعدمه ، لا إلى ذات العلم .

في حديث عَمرو بن عثمان الجُهَني ۵

قوله عليه السلام : (إنّ اللّه َ لم يَبْدُ له من جَهْلٍ) .
لمّا كانت الأشياء التي يبدو لنا فعلها إمّا لتجدّد متعلّقها ، أو لحدوثه قبلها وجهلنا باحتياجه إلى هذا الفعل ، فرّق عليه السلام بين الاتّصافين ، وأشار إلى أنّ ما يبدو له موافق لما تقتضيه الحكمة من غير تأخّر من وقته ولا سهو وغفلة عنه .
وأيضا فيه إشارة إلى أنّ سبب حدوث الأشياء التي تبدو له بعد أن لم يكن حدوث مقتضاها ، وهو احتياج الشيء إليها واستحقاقه لها عند حدوثها ؛ لأنّه لو تقدّم لزم سبق المعلول على العلّة ، ولمّا كان بيِّنَ البطلان لم ينبّه عليه ، ولو تأخّر فالتأخّر من الحكيم سببه منحصرٌ في الجهل والغفلة ، وهو تعالى منزّهٌ عنه ، فلهذا قال : «لم يبد له من جهل» .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۷ ، ح۵ .

2.مريم (۱۹) : ۶۷ .

3.الإنسان (۷۶) : ۱ .

4.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۷ ، ح۶ .

5.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۸ ، ح۱۰ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77893
صفحه از 715
پرینت  ارسال به