647
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث أبيبصير ۱

قول السائل : (قلتُ : وأحَبَّ ؟ قال : «لا» ) .
المعنى سألته : هل أحبّ جميع ماشاء وأراده وقدّره وقضاه ؟ فقال : لا ؛ وذلك لأنّه شاء جميع الأشياء ولم يحبّ المنكر ، وهكذا في الجميع . وهذا أيضا يدلّ على ما قلناه في حديث عليّ بن إبراهيم الهاشمي لدفع ما يتوهّم .
ثمّ لمّا سأله عن أنّه تعالى (كيف شاء وأرادَ وقدَّر وقَضى ولم يُحِبَّ ؟) أي والحال أنّه لم يحبّ ، أجابه عليه السلام بقوله : (هكذا خرج إلينا) أي إنّ العالم بحقيقة هذه الأشياء وعللها هو اللّه تعالى ، لكنّ الذي خرج إلينا وعلّمنا اللّه إيّاه هو ما قلته لك .

في حديث عبداللّه بن سِنان ۲

قوله عليه السلام : (أمَرَ اللّه ُ ولم يَشَأْ ...) .
قد تقرّر من الأحاديث السابقة أنّ المشيئة غير الإرادة ، وأنّها علّة لها ولغيرها ، فمعنى «أمر اللّه ولم يشأ ، وشاء ولم يأمر» أنّ الأمر والمشيئة ليسا متلازمين حتّى يلزم منه العجز عن الجبر عمّا نهى عنه ، بل الحكمة اقتضت أن يهب القوّة على الفعل والترك ، ففعل المأمور به وتركه هما بمشيئته .
ومثّل عليه السلام للأوّل بقوله : (أمَرَ إبليسَ أن يَسجُدَ لآدمَ ، وشاء أنْ لا يَسْجُدَ ، ولو شاء لَسَجَدَ) أي وعدم السجود أيضا من مشيئته ، فلو كانت مشيئته منحصرة في السجود فقط لَسَجَدَ ، أي للزم عدم التخلّف ؛ وذلك لأنّ مشيئته عدمَ السجود لا دلالة فيها على عدم مشيئة السجود . ويدلّ أيضا على عدم الانحصار قوله عليه السلام : «ولو» أي ولو انحصرت المشيئة في السجود لَسَجَدَ .
فإن قيل : يمكن أن يفهم من قوله عليه السلام : «وشاء أن لا يسجد» أنّ المشيئة منحصرة في عدم السجود ، ويكون معنى قوله : «ولو شاء لسجد» ـ لولم تكن منحصرة في عدم السجود ـ أي لوشاءهما معا لسَجَدَ .
قلنا : مشيئتهما معا لا ملازمة بينها وبين تحتمّ سجوده .
فإن قيل : يمكن أن يكون المراد بقوله : «ولوشاء لسجد» لولم تكن المشيئة منحصرة في عدم السجود ، احتمل سجوده وعدم سجوده ، وشرط «لو» منفيّ فهو مثبت ، وجوابها مثبت فهو منفيّ ، وإذا انتفى الاحتمال وجب عدم السجود ؛ لأنّهما نقيضان فلا يجبان ، وانحصار المشيئة في عدم السجود يناقض وجوب السجود ، وعند بطلان الاحتمالين يجب الثالث .
فالجواب : أنّ اللام تمنع هذا الاحتمال .
وكذلك أيضا قوله عليه السلام : (ونهى آدمَ عن أكْلِ الشجرةِ ، وشاء أن يَأكُلَ منها) ، أي لولم يكن الأكل من مشيئته ، أي لوشاء عدمه لم يأكل ، أي لم يتحقّق منه الأكل ، ف «لو» تدلّ على أنّ أكله كان بمشيئته ؛ لأنّ ما بعدها منفيين ، فهما موجبين ۳ ؛ فليتأمّل .
والحاصل : أنّه تعالى شاء تخيير العبد بين الطاعة والعصيان ؛ لما تقدّم ، فهما بمشيئته ، فماشاء كان ، ومالم شيأ لم يكن .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۰ ، ح۲ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۰ ح۳ .

3.كذا ، والصحيح : «منفيّان فهما موجبان» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
646
  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 95915
صفحه از 715
پرینت  ارسال به