في حديث الفَتح بن يزيد الجُرجاني ۱
قوله عليه السلام : (إنّ للّه ِِ إرادتين ومشيئتين : إرادةَ حَتْمٍ وإرادةَ عَزْمٍ) .
فالحتم ماكان وتحقّق من خير أو شرّ منّا أو منه ، وهو القَدَر الواقع على القضاء بالإمضاء ، والعزم خطابه ، فاكتفى بالمثال عن الحدّ .
قوله عليه السلام : (يَنهى وهو يشاءُ ...) . خبرٌ بعد خبر ل «إنّ» .
قوله عليه السلام : (أوَما رَأيتَ أنّه نهى آدمَ وزوجتَه أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ ...) .
مثال للمشيئتين وتحقّقِ المشيئة مع النهي ودليل عليها ؛ وذلك لأنّ النهي من الأكل علّته مشيئته عدمَ الأكل وهي مشيئة عزم ، وأكل آدم مع نهيه علّته مشيئته ، وهي مشيئة حتم ، فالأكل بمشيئته ، فقد اجتمعت المشيئة مع النهي ، والدليل على أنّه بمشيئته أنّه لولم يكن بمشيئته فلابدّ وأن تكون مشيئته عدم الأكل ، فيلزم غلبة مشيئتهما مشيئة اللّه ، واللازم باطل عقلاً ونقلاً ، فالملزوم ـ وهو عدم كونه بمشيئته ـ مثله .
قوله عليه السلام : (وأمَرَ إبراهيمَ عليه السلام ) .
مثالٌ للمشيئتين واجتماع الأمر مع عدم المشيئة ؛ وذلك لأنّ الأمر بالذبح فعل علّته المشيئة ، وهي مشيئة عزم ، وعدم إشاءة ۲ الذبح وهو إشاءة ۳ عدم الذبح مشيئة حتم ، فقد أمر وهو لا يشاء ، ولو لم تكن مشيئته متعلّقة بعدم الذبح أيضا ،
واختصّت مشيئة إبراهيم عليه السلام بذلك ، لزم غلبة مشيئته مشيئةَ اللّه ، ولا يلزم التناقض ؛ لاختلاف زمانهما .
فإن قيل : ما الدليل على اختلاف زمانهما ؟
قلت : تأخّر سببها ؛ لأنّه من فعل العبد ، مثلاً عدمُ مخالفة إبراهيم عليه السلام سبب لمشيئة عدم الذبح الذي كان سبب مشيئته إيصالَ الثواب إلى إبراهيم عليه السلام بعدم المخالفة ، ولا ريب في تقدّم الابتلاء على عدم المخالفة ؛ واللّه أعلم .