655
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
654

في حديث أبيبصير ۱

قول السائل : (من أين لَحِقَ الشقاءُ أهلَ المعصية ...) .
الظاهر أنّ مراد السائل أنّ علم اللّه تعالى قديم ، والشقاء وأهل المعصية حادثون ، فكيف لحقهم الشقاء وحكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم قبل أن يوجدوا ، فقاس علمه تعالى على علم غيره .
قوله عليه السلام : (حُكْمُ اللّه ِ عزّ وجلّ لا يَقومُ له أحَدٌ مِنْ خَلْقِه [بحقّه] ) .
أي إنّك قِستَ حكم اللّه على حكم غيره في أنّه لا يكون إلاّ على الموجود المعايَن المعلوم ، وهذا سهو ؛ لأنّ حكم اللّه ليس كحكم المخلوقين ، بل حكمه تعالى «لا يقوم له أحد من خلقه بحقّه» ولا يقدر على الإتيان بمثله .
ثمّ بيّن عليه السلام حكمه تعالى ، فقال : (فلمّا حَكَمَ بذلك) أي لمّا حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم (وَهَبَ لأهلِ مَحبَّتِهِ القوّةَ على معرفته) لا لأنّ حكمه كان علّة لذلك ، بل لبيان أنّ الحكم كان قبل الخلق ؛ وذلك لأنّ علمه كان متعلّقا بهذه الهبة أيضا ، فالحكم كان متعلّق ۲ بها أيضا ؛ لأنّ العذاب لا يكون إلاّ بعد المعصية ، وهي
لا تكون إلاّ بعد إعطاء القوّة ، وإلاّ لزم أن يكون للعبد قوّة على غير ما قوّاه الخالق عليه ، فالحكم بالعذاب لابدّ وأن يتحقّق معه الحكم بإعطاء القوّة بل قبله ، فلوكان الحكم بالعذاب علّة لإعطاء القوّة لزم تقدّم السبب على المسبّب ، وهو باطل ، أو وجودهما دفعة ، فتنتفي السببيّة والمسبّبيّة .
قوله عليه السلام : (ووَضَعَ عنهم ثِقَلَ العَمَلِ بحقيقةِ ما هم أهلُه) .
وذلك لأنّه تعالى قادرٌ مختارٌ حكيم لا يعجزه شيء ، فلابدّ له من أن يضع عنهم ثقل العمل وتعبه ويسهّله عليهم ؛ لأنّ المحبوب الحليم ـ مع قدرته على جميع مايريد ـ يجب عليه التخفيف على المحبّ وإزالة التعب عنه ، خصوصا مايكون بسبب المحبّة ، فحقيقة ماهم عليه من المحبّة سبب لذلك ؛ فعلم أنّ اختصاص وضع الثقل بهم له مرجّح هو فعلهم .
قوله عليه السلام : (ووَهَبَ لأهْلِ المعصيةِ القوّةَ على معصيتهم ...) .
أي إنّ القوّة التي أهل المعصية يعصون بها هي أيضا من مواهبه تعالى ، فهو تعالى أعطاهم تلك القوّة .
(ومنعهم إطاقةَ القبولِ) ، أي لم يضع عنهم ثقل هذا العمل الذي هو القبول ، وإنّما لم يقل : «ومنعهم إطاقة العمل» ، كما قال في الأوّل : «ووضع عنهم ثقل العمل» لأنّ العمل الذي يمكن تحقّقه من أهل المحبّة بالفعل غير متناه ، فلهذا عبّر عنه بالعمل المعرّف ب «ال» الجنسيّة ليفيد العموم ، وأمّا هنا فالذي يمكن تحقّقه فيهم بالفعل هو القبول فقط ، فلهذا خصّه وقال : «ومنعهم إطاقة القبول منه» ، أي من اللّه .
فإن قيل : ما الدليل على كون منعهم إطاقةَ القبول منه بمعنى لم يضع عنهم ثقل القبول ؟ لم لا يكون على حقيقته ، فيكون المعنى ولم يعطهم إطاقةَ القبول ، أي لم يمكّنهم منه ؟
قلت : للقرينة اللفظيّة والمعنويّة . أمّا المعنويّة : فهي أنّه لاريب في تكليفهم ، والحكيم كيف يكلّف ويمنع من الفعل . اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ علّة هذا المنع فعلهم وبغضهم ، فليس تكليفا بالمحال ؛ لأنّه يمكنهم ترك البغض ؛ لأنّه لم يمنعهم إيّاه ، بل منعهم إطاقة القبول .
وأمّا القرينة اللفظيّة : فقوله عليه السلام : «فوضع ۳ عنهم ثقل العمل» ؛ لأنّ هذين الكلامين متقابلين ۴ .
قوله عليه السلام : «لسَبْقِ علمِه فيهم» ـ المعترضُ بين الجملتين : المعطوفة والمعطوف عليها ـ دليلٌ على أنّ القوّة التي عصوا بها من مواهبه تعالى ، تقريره : أنّه لاريب في أنّ علمه تعالى فيهم ـ أي المتعلّق بجميع أحوالهم ـ سابقٌ على فعلهم ، فلو لم يكن هذه القوّة من مواهبه ، لمنعهم عن هذا الفعل ؛ لسبق علمه وشمول قدرته .
قوله عليه السلام : (لأنّ عِلْمَه أولى بحقيقةِ التصديق) أي إنّ علمه مستحقّ للتصديق الحقيقيّ الذي لاريب فيه ، ف «أولى» ليس للتفضيل ، بل للدلالة على بلوغ الوصف غايتَه ؛ واللّه أعلم .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۳ ، ح۲ .

2.كذا ، والصحيح : «متعلّقا» .

3.في الكافي المطبوع : «ووضع» .

4.كذا ، والصحيح : «متقابلان» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 79070
صفحه از 715
پرینت  ارسال به