في حديث الحسن بن عليّ الوشّاء ۱
قوله عليه السلام : (اللّه ُ أعَزُّ مِن ذلكَ) .
لمّا كان معنى التفويض تركَ الاختيار إلى الغير بالكلّيّة من دون إعانة وهداية وإرشاد ، وذلك إنّما يكون عند العجز عن القيام بحقّ جميع الأشياء ، قال عليه السلام : «اللّه أعزّ من ذلك» ، أي إنّ عزّته من أكمل أفراد العزّة ، كما بيّن مرارا في مثل هذا .
ثمّ لمّا توهّم السائل أنّ المتفرّع على مثل هذا الكلام أنّ اللّه تعالى جبر على جميع الأشياء ، فيكون قد جبر على المعاصي ، قال : (فجَبَرَهم على المعاصي ؟) .
فأجابه عليه السلام بقوله : (اللّه ُ أعْدَلُ من ذلك۲، وأحكم من ذلك) أي لوكان الأمر كذلك ، كان منافيا للعدل والحكمة ، واللّه تبارك وتعالى عدل حكيم .
بيان الأوّل : أنّه يثيب على الطاعة ويعاقب على المعصية ، وليس من العدل العقوبة على ما لا قدرة لفاعله على تركه .
وبيان الثاني : أنّ الحكيم هو الذي أفعاله محكمة متقنة ، فهو منزّه عن العبث ، فلوكان المخلوق مجبورا على الطاعة والمعصية ، لم تبق فائدة في تكليفه وابتلائه واختباره ، فيكون عبثا والحكيم منزّه عنه ؛ فظهر من هذا الكلام أنّه لم يفوّض الأمر إليهم بالكلّيّة بحيث لا يمنع الضرر عمّن تعلّقت إرادته بالمنع عنه بسبب عمله الذي استحقّ به ذلك ؛ لئلاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح المنافي للّطف ، وبحيث لايهدي لذلك ، بل هو تعالى مع إعطائنا الاختيار والقوّة على الفعل والترك قادرٌ مختارٌ يَفعل مايشاء ويحكم مايريد ، لا رادّ لحكمه ولا مانع لقضائه .
قوله عليه السلام : (قال اللّه عزّ وجلّ ...) .
بيانٌ واستدلالٌ على أنّ القوّة التي يعمل بها الخير والقوّة التي يعمل بها الشرّ من اللّه ، وأنّ العبد ليس مجبورا . وقد تقدّم هذا الحديث في باب المشيئة والإرادة باختلاف ما لا يضرّ بالمعنى .