۰.ويوحِّدوه بالإلهيّة بعد ما أضدّوه .
أحمدُه حمدا يَشفِي النفوسَ،ويبلُغُ رضاه،ويؤدّي شكْرَ ما وصلَ إلينا، من سوابغ النعماء،
قوله : (ويُوَحِّدُوه بالإلـهيّةِ بعدَ ما أضَدّوه) ، أي يعتقدوا إلـهيّته وحده لا شريك له بعد ما جعلوا له شريكاً ، وبعد ما جعلوا غيره إلـهاً دونه بالنسبة إلى كلّ فريق ، كالنصارى والمجوس ونحوهم . والشريك والغير ضدّان وإن تفاوتا معنى .
و«أضدّه» أي جعل له ضدّاً ، ك «أمدّه» بمعنى جعل له مدداً ، أو ممدّاً .
وهذه علّة اُخرى لابتعاث الرسل ، ولكونها مع العلّة التي قبلها كالشيء الواحد ، فإنّ المعرفة لحقيقة الربوبيّة تستلزم التوحيد ونفي الضدّ ، ترك اللام بخلاف قوله : «وليعقل» بالنسبة إلى ما قبله .
قوله : (أحْمَدُهُ حَمْداً يَشْفِي النفوسَ) لمّا حَمَدَه أوّلاً بما يقتضي الدوام والثبات ، وذَكَرَ ما يدلّ على استحقاقه الحمد على الإطلاق ، وعَدَّدَ من توحيده وصفاته وتنزيهه ما به يليق ، وما هو به جدير وحقيق ، وذَكَرَ بعد ذلك حال من جهله تعالى وأنكره ، حَرَّكَه ذلك وبَعَثَه على أن يحمده ثانياً بعد ذلك حَمْداً مختصّاً به لمعرفته بذلك ، ولدخول حمده السابق تحت الإطلاق ، أو الاستغراق الشامل لحمده وحمد غيره المقتضي لقبول حمده ، وإن أفرده بعد ذلك ، ودالاًّ على التجدّد والاستمرار ، طالباً أن يكون هذا الحمد وسيلة إلى شفاء النفوس من مرض الجهل ، أو من كلّ مرض يكون فيه البُعْد عن رضاه .
قوله : (ويَبْلُغَ رِضاهُ) أي يصل إليه على وجه يقبله ويدخل في رضاه ، فالتعبير بالبلوغ لذلك ، فإنّه أدلّ على القبول من الوصول .
قوله : (ويُؤدي شُكْرَ ما وَصَلَ إلينا مِنْ سَوابِغِ النَّعْماء) .
بمعنى أنّ اللّه سبحانه يقبل هذا الحمد المراد به الشكر أيضاً بأن يرضى به منّا
شكراً على ما أنعم به ، تفضّلاً منه تعالى . والاكتفاء به لأنّه صالح لهما ، واستعماله فيهما بالقرينة .
وإسناد تأدية الشكر إلى الحمد بمعنى أنّه حمد بمعنى الشكر أيضاً فيؤدي ما يؤديه ، أو بمعنى حمداً في مُقابلة النعمة وغيرها ، والمآل واحد أو متقارب .
ويحتمل أن يكون بمعنى أحمده حمداً يكون ثوابه وقبوله بحيث لو قصّرنا في تأدية الشكر كان ذلك الحمد وثوابه جابرين لما قصّرنا فيه من الشكر ، وموصلين ثوابه إلينا .
والإتيان بضمير المتكلّم مع الغير طلبٌ منه لشمول هذا لغيره ، كما طلَب به شفاء النفوس ، وإلاّ فظاهر المقام ضمير المتكلّم وحده .
ويقال : سبغت النعمة : اتّسعت ، ودرع سابغة : تامّة طويلة ؛ فسوابغ النعم ۱ جمع سابغة .
والنعماء ـ بالفتح والمدّ ـ بمعنى النعمة ، وهي اليد ، والضيعة ، والمنّة ، وما أنعم به عليك ؛ فإضافة سوابغ النعماء لاميّة ، كمكارم زيد ومحاسنه ، لا من إضافة الصفة إلى الموصوف ۲ ؛ لإفراد «النعماء» . ولو لم يشترط المطابقة في الإفراد والجمع ، أو جاز إجراؤه مجرى الدينار الصفر والدرهم البيض ، لجاز أن يكون من باب الإضافة المذكورة . وفي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : «نحمده بجميع محامده كلّها على جميع نعمائه كلّها» . ۳ وظاهره كون «النعماء» في كلامه عليه السلام جمعاً ، وغير الجمع محتمل أيضاً .
1.في «ج» : - «النعم» .
2.في حاشية «د» : «ذكروا في وجه منع إضافة الموصوف إلى الصفة لزوم اضافة الشيء إلى نفسه . ويمكن أن يقال : إنّ الإضافة يعتبر معها ما يعتبر في مطابقة الصفة للموصوف في الأُمور المشهورة ، فمع الإضافة في مثل مسجد الجامع بقدر المكان الجامع ؛ ليحصل المطابقة ويندفع أيضا إضافة الشيء نفسه ، وهذا أظهر في إضافة الصفة إلى الموصوف (منه رحمه اللّه ) » .
3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۱ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۷ ؛ التوحيد ، ص ۳۱ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ۱ . وفي بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۲۶۴ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۱۴ ، عن التوحيد .