ثم إن أرمائيل تحوّب من ذبح الناس فتلطّف في استنقاذهم و احتساب الأجر في إطلاقهم من القتل، فمضى إلى قرية من قرى? دنباوند تسمى مندان فبنى? على جبلها أبنية جليلة و قصورا عظيمة و جعل فيها بساتين و عيونا تجري في صحون تلك الدور و البساتين، و بنى في بعض تلك القصور بيتا بخشب الساج و الابنوس و صور فيه جميع الصور، فلم يكن لأحد في ناحية المشرق، بناء أشرف منه ارتفاعا و حسنا و دقة نقوش و كثرة عمل و تزاويق و تصاوير و تماثيل.
فما زال ذلك البنيان قائما حتى استنزل المهديُّ بن المصمغان من القلعة المعروفة بالهيرين ـ و كان قد أعطاه الأمان ـ فلما جاء به إلى الري أمر بضرب عنقه.
فلما استخلف الرشيد و صار إلى الري أخبر بمكان ذلك البنيان فصار إليه حتى وقف عليه و أمر بنقضه و حمله إلى مدينة السلام.
و كان أرمائيل نازلاً في قصوره و أبنيته التي بناها فإذا جاؤه بالأسارى من الآفاق ليذبحهم و يأخذ أدمغتهم فيغذي الحيتين، أعتق في كل يوم أسيرا و ذبح مكانه كبشا و خلط دماغه بدماغ المقتول و غذا به الحيتين أعواما كثيرة. ثم بدا له في الذبح فكان إذا جاؤه بالأسارى أعتقهم و أسكنهم الجبل الغربي من قرية ميندان. ۱
فبقي على ذلك من حاله ثلاثين عاما يعتق في كل عام سبعمائة و ثلاثين إنسانا ـ و قرية ميندان على جبلين بينهما وادٍ فيه ماء عذب غزير لا ينقطع شتاء و لا صيفا، و على حافتي الوادي عيون تنصب إليه و شجر مثمر ـ فكان كلما أعتق أسيرا أعطاه دارا و أسكنه الجبل الغربي و أمره أن يزرع لنفسه ما يريد و يبني ما يشاء. فكانوا يفعلون ذلك. و قيض اللّه لأرمائيل مطلسما ألمّ به فقال: أنا اطلسم الطعام الذي يتغذى به هذا الملعون فيكون يتغلغل في جوفه و يرتفع [143 ب] إلى صدره و يجري في لهواته فيشبع منه و لا يحتاج إلى غيره أبدا و يجازيك الملك على ذلك. ما الذي تجازيني عليه؟ قال: سل ما أحببت. قال: إذا أتتك رئاسة