وقوله: «وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» تعميم التسبيح لكلّ شيء وقد كانت الجملة السابقة عدت السماوات السبع والأرض ومن فيهنّ، وتزيد عليها بذكر الحمد مع التسبيح فتفيد أن كلّ شيء كما يسبّحه تعالى كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله .
وكذلك أنّه كما أنَّ عندَ كلّ من هذه الأشياء شيئا من الحاجة والنقص عائدا إلى نفسه كذلك عنده من جميل صنعه ونعمته تعالى شيء راجع إليه تعالى موهوب من لدنه، وكما أن إظهار هذه الأشياء لنفسها في الوجود إظهار لحاجتها ونقصها وكشف عن تنزّه ربّها عن الحاجة والنقص، وهو تسبيحها كذلك إبرازها لنفسها إبراز لما عندها من جميل فعل ربّها الّذي وراءه جميل صفاته تعالى فهو حمدها فليس الحمد إلّا الثناء على الجميل الاختياري فهي تحمد ربّها كما تسبحه وهو قوله : «وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» ...
وهذا نعم الشاهد على أنّ المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى بنفي الشريك وجهات النقص فإنّ الخطاب في قوله : «وَ لَـكِن لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» إما للمشركين وإما للناس أعمّ من المؤمن والمشرك وهم على أي حال يفقهون دلالة الأشياء على صانعها مع أنّ الآية تنفي عنهم الفقه .
ولا يصغي إلى قول من قال: إنّ الخطاب للمشركين وهم لعدم تدبّرهم فيها وقلّة انتفاعهم بها كان فهمهم بمنزلة العدم، ولا إلى دعوى من يدعي أنّهم لعدم فهمهم بعض المراد من التسبيح جعلوا ممّن لا يفقه الجميع تغليبا .
وذلك لأنّ تنزيل الفهم منزلة العدم أو جعل البعض كالجميع لا يلائم مقام الاحتجاج وهو سبحانه يخاطبهم في سابق الآية بالحجّة على التنزيه على أنّ هذا النوع من المسامحة بالتغليب ونحوه لا يحتمله كلامه تعالى ...
فالحقّ أنّ التسبيح الّذي تثبته الآية لكلّ شيء هو التسبيح بمعناه الحقيقي وقد تكرّر في كلامه تعالى إثباته للسماوات والأرض ومن فيهنّ وما فيهنّ وفيهاموارد