أمرِهِ ، ورَكِبنا مُتونَ زَجرِهِ ، فَلَم يَبتَدِرنا ۱ بِعُقوبَتِهِ ، ولَم يُعاجِلنا بِنِقمَتِهِ ، بَل تَأَنّانا ۲ بِرَحمَتِهِ تَكَرُّما ، وَانتَظَرَ مُراجَعَتَنا بِرَأفَتِهِ حِلما .
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي دَلَّنا عَلَى التَّوبَةِ الَّتي لَم نُفِدها إلّا مِن فَضلِهِ ، فَلَو لَم نَعتَدِد مِن فَضلِهِ إلّا بِها ، لَقَد حَسُنَ بَلاؤُهُ عِندَنا ، وجَلَّ إحسانُهُ إلَينا ، وجَسُمَ فَضلُهُ عَلَينا ، فَما هكَذا كانَت سُنَّتُهُ فِي التَّوبَةِ لِمَن كانَ قَبلَنا ، لَقَد وَضَعَ عَنّا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، ولَم يُكَلِّفنا إلّا وُسعا ، ولَم يُجَشِّمنا ۳ إلّا يُسرا ، ولَم يَدَع لِأَحَدٍ مِنّا حُجَّةً ولا عُذرا ، فَالهالِكُ مِنّا مَن هَلَكَ عَلَيهِ ، وَالسَّعيدُ مِنّا مَن رَغِبَ إلَيهِ .
وَالحَمدُ للّهِِ بكُلِّ ما حَمِدَهُ بِهِ أدنى مَلائِكَتِهِ إلَيهِ ، وأكرَمُ خَليقَتِهِ عَلَيهِ ، وأرضى حامِديهِ لَدَيهِ ، حَمدا يَفضُلُ سائِرَ الحَمدِ ، كَفَضلِ رَبِّنا عَلى جَميعِ خَلقِهِ .
ثُمَّ لَهُ الحَمدُ مَكانَ كُلِّ نِعمَةٍ لَهُ عَلَينا وعَلى جَميعِ عِبادِهِ الماضينَ وَالباقينَ ، عَدَدَ ما أحاطَ بِهِ عِلمُهُ مِن جَميعِ الأَشياءِ ، ومَكانَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها عَدَدُها أضعافا مُضاعَفَةً أبَدا سَرمَدا إلى يَومِ القِيامَةِ .
حَمدا لا مُنتَهى لِحَدِّهِ ، ولا حِسابَ لِعَدَدِهِ ، ولا مَبلَغَ لِغايَتِهِ ، ولَا انقِطاعَ لِأَمَدِهِ.
حَمدا يَكونُ وُصلَةً إلى طاعَتِهِ وعَفوِهِ ، وسَبَبا إلى رِضوانِهِ ، وذَريعَةً إلى مَغفِرَتِهِ ، وطَريقا إلى جَنَّتِهِ ، وخَفيرا ۴ مِن نِقمَتِهِ ، وأمنا مِن غَضَبِهِ ، وظَهيرا عَلى طاعَتِهِ ، وحاجِزا عَن مَعصِيَتِهِ ، وعَونا عَلى تَأدِيَةِ حَقَّهِ ووَظائِفِهِ .
1.ابتدرهُ : عاجَلَهُ (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۳۶۹ «بدر») .
2.تأنّى في الأمر : أي ترفّق وتنظّر (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۷۳ «أنا») .
3.لم يجشّمنا إلّا يُسرا : أي لم يكلّفنا إلّا يسرا ، من التجشّم ؛ وهو التكلّف على مشقّة (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۲۹۵ «جشم») .
4.الخفير : المجير (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۸ «خفر») .