515
نَهجُ الذِّكر ج1

أمرِهِ ، ورَكِبنا مُتونَ زَجرِهِ ، فَلَم يَبتَدِرنا ۱ بِعُقوبَتِهِ ، ولَم يُعاجِلنا بِنِقمَتِهِ ، بَل تَأَنّانا ۲ بِرَحمَتِهِ تَكَرُّما ، وَانتَظَرَ مُراجَعَتَنا بِرَأفَتِهِ حِلما .
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي دَلَّنا عَلَى التَّوبَةِ الَّتي لَم نُفِدها إلّا مِن فَضلِهِ ، فَلَو لَم نَعتَدِد مِن فَضلِهِ إلّا بِها ، لَقَد حَسُنَ بَلاؤُهُ عِندَنا ، وجَلَّ إحسانُهُ إلَينا ، وجَسُمَ فَضلُهُ عَلَينا ، فَما هكَذا كانَت سُنَّتُهُ فِي التَّوبَةِ لِمَن كانَ قَبلَنا ، لَقَد وَضَعَ عَنّا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، ولَم يُكَلِّفنا إلّا وُسعا ، ولَم يُجَشِّمنا ۳ إلّا يُسرا ، ولَم يَدَع لِأَحَدٍ مِنّا حُجَّةً ولا عُذرا ، فَالهالِكُ مِنّا مَن هَلَكَ عَلَيهِ ، وَالسَّعيدُ مِنّا مَن رَغِبَ إلَيهِ .
وَالحَمدُ للّهِِ بكُلِّ ما حَمِدَهُ بِهِ أدنى مَلائِكَتِهِ إلَيهِ ، وأكرَمُ خَليقَتِهِ عَلَيهِ ، وأرضى حامِديهِ لَدَيهِ ، حَمدا يَفضُلُ سائِرَ الحَمدِ ، كَفَضلِ رَبِّنا عَلى جَميعِ خَلقِهِ .
ثُمَّ لَهُ الحَمدُ مَكانَ كُلِّ نِعمَةٍ لَهُ عَلَينا وعَلى جَميعِ عِبادِهِ الماضينَ وَالباقينَ ، عَدَدَ ما أحاطَ بِهِ عِلمُهُ مِن جَميعِ الأَشياءِ ، ومَكانَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها عَدَدُها أضعافا مُضاعَفَةً أبَدا سَرمَدا إلى يَومِ القِيامَةِ .
حَمدا لا مُنتَهى لِحَدِّهِ ، ولا حِسابَ لِعَدَدِهِ ، ولا مَبلَغَ لِغايَتِهِ ، ولَا انقِطاعَ لِأَمَدِهِ.
حَمدا يَكونُ وُصلَةً إلى طاعَتِهِ وعَفوِهِ ، وسَبَبا إلى رِضوانِهِ ، وذَريعَةً إلى مَغفِرَتِهِ ، وطَريقا إلى جَنَّتِهِ ، وخَفيرا ۴ مِن نِقمَتِهِ ، وأمنا مِن غَضَبِهِ ، وظَهيرا عَلى طاعَتِهِ ، وحاجِزا عَن مَعصِيَتِهِ ، وعَونا عَلى تَأدِيَةِ حَقَّهِ ووَظائِفِهِ .

1.ابتدرهُ : عاجَلَهُ (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۳۶۹ «بدر») .

2.تأنّى في الأمر : أي ترفّق وتنظّر (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۷۳ «أنا») .

3.لم يجشّمنا إلّا يُسرا : أي لم يكلّفنا إلّا يسرا ، من التجشّم ؛ وهو التكلّف على مشقّة (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۲۹۵ «جشم») .

4.الخفير : المجير (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۸ «خفر») .


نَهجُ الذِّكر ج1
514

حَمدا يُضيءُ لَنا بِهِ ظُلُماتِ البَرزَخِ ۱ ، ويُسَهِّلُ عَلَينا بِهِ سَبيلَ المَبعَثِ ، ويُشَرِّفُ بِهِ مَنازِلَنا عِندَ مَواقِفِ الأَشهادِ ، يَومَ تُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت وهُم لا يُظلَمون ۲ ، «يَوْمَ لَا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْـئا وَ لَا هُمْ يُنصَرُونَ»۳ .
حَمدا يَرتَفِعُ مِنّا إلى أعلى عِلِّيّينَ ، في كِتابٍ مَرقومٍ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ .
حَمدا تَقَرُّ بِهِ عُيونُنا إذا بَرِقَتِ الأَبصارُ ، وتَبيَضُّ بِهِ وُجوهُنا إذَا اسوَدَّتِ الأَبشارُ .
حَمدا نُعتَقُ بِهِ مِن أليمِ نارِ اللّهِ إلى كَريمِ جِوارِ اللّهِ .
حَمدا نُزاحِمُ بِهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ ، ونُضامُّ ۴ بِهِ أنبِياءَهُ المُرسَلينَ في دارِ المُقامَةِ الَّتي لا تَزولُ ، ومَحَلِّ كَرامَتِهِ الَّتي لا تَحولُ . ۵
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذِي اختارَ لَنا مَحاسِنَ الخَلقِ ، وأجرى عَلَينا طَيِّباتِ الرِّزقِ ، وجَعَلَ لَنَا الفَضيلَةَ بِالمَلَكَةِ عَلى جَميعِ الخَلقِ ، فَكُلُّ خَليقَتِهِ مُنقادَةٌ لَنا بِقُدرَتِهِ ، وصائِرَةٌ إلى طاعَتِنا بِعِزَّتِهِ .
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي أغلَقَ عَنّا بابَ الحاجَةِ إلّا إلَيهِ ، فَكَيفَ نُطيقُ حَمدَهُ؟ أم مَتى نُؤَدّي شُكرَهُ؟ لا ، مَتى؟
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي رَكَّبَ فينا آلاتِ البَسطِ ، وجَعَلَ لَنا أدَواتِ القَبضِ ، ومَتَّعَنا بِأَرواحِ الحَياةِ ، وأثبَتَ فينا جَوارِحَ الأَعمالِ ، وغَذّانا بِطَيِّباتِ الرِّزقِ ، وأَغنانا بِفَضلِهِ ، وأَقنانا ۶ بِمَنِّهِ ، ثُمَّ أمَرَنا لِيَختَبِرَ طاعَتَنا ، ونَهانا لِيَبتَلِيَ شُكرَنا ، فَخالَفنا عَن طَريق

1.البَرْزَخُ : ما بين الموت إلى القيامة (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۱۸ «برزخ») .

2.إشارة إلى الآية ۲۲ من سورة الجاثية .

3.الدخان : ۴۱ .

4.تَضامَّ القومُ : إذا انضمّ بعضهم إلى بعض (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۷۲ «ضمم») .

5.حالَ إلى مكان آخر : أي تحوّل (تاج العروس : ج ۱۴ ص ۱۸۶ «حول») .

6.أقناه اللّه : أعطاه (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۵۱۸ «قنا») .

  • نام منبع :
    نَهجُ الذِّكر ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1386
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 79422
صفحه از 604
پرینت  ارسال به