131
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

فَاصنَع لَنا صاعا مِن طَعامٍ ، وَاجعَل عَلَيهِ رِجلَ شاةٍ ، وَاملَأ لَنا عُسّا ۱ مِن لَبَنٍ ، ثُمَّ اجمَع لي بَني عَبدِ المُطَّلِبِ حَتّى اُكَلِّمَهُم واُبَلِّغَهُم ما اُمِرتُ بِهِ .
فَفَعَلتُ ما أمَرَني بِهِ ، ثُمَّ دَعَوتُهُم لَهُ ، وهُم يَومَئِذٍ أربَعونَ رَجُلاً ، يَزيدونَ رَجُلاً أو يَنقُصونَهُ ، فيهِم أعمامُهُ : أبو طالِبٍ وحَمزَةُ وَالعَبَّاسُ وأبو لَهَبٍ ، فَلَمّا اجتَمَعوا إلَيهِ دَعاني بِالطَّعامِ الَّذي صَنَعتُ لَهُم ، فَجِئتُ بِهِ ، فَلَمّا وَضَعتُهُ تَناوَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِذيَةً ۲ مِنَ اللَّحمِ ، فَشَقَّها بِأَسنانِهِ ، ثُمَّ ألقاها في نَواحِي الصَّحفَةِ ۳ .
ثُمَّ قالَ : خُذوا بِسمِ اللّهِ ، فَأَكَلَ القَومُ حَتّى ما لَهُم بِشَيءٍ حاجَةٌ وما أرى إلّا مَوضِعَ أيديهِم ، وَايمُ اللّهِ الَّذي نَفسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ ، وإن كانَ الرَّجُلُ الواحِدُ مِنهُم لَيَأكُلُ ما قَدَّمتُ لِجَميعِهِم .
ثُمَّ قالَ : اِسقِ القَومَ ، فَجِئتُهُم بِذلِكَ العُسِّ ، فَشَرِبوا مِنهُ حَتّى رَووا مِنهُ جَميعا ، وَايمُ اللّهِ إن كانَ الرَّجُلُ الواحِدُ مِنهُم لَيَشرَبُ مِثلَهُ ، فَلَمّا أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يُكَلِّمَهُم بَدَرَهُ أبو لَهَبٍ إلَى الكَلامِ ، فَقالَ : لَهَدَّ ۴ ما سَحَرَكُم صاحِبُكُم ! فَتَفَرَّقَ القَومُ ولَم يُكَلِّمهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : الغَدَ يا عَلِيُّ ، إنَّ هذَا الرَّجُلَ سَبَقَني إلى ما قَد سَمِعتَ مِنَ القَولِ ، فَتَفَرَّقَ القَومُ قَبلَ أن اُكَلِّمَهُم ، فَعُد لَنا مِنَ الطَّعامِ بِمِثلِ ما صَنَعتَ ، ثُمَّ اجمَعهُم إلَيَّ .
قالَ : فَفَعَلتُ ، ثُمَّ جَمَعتُهُم ثُمَّ دَعاني بِالطَّعامِ فَقَرَّبتُهُ لَهُم ، فَفَعَلَ كَما فَعَلَ بِالأَمسِ ، فَأَكَلوا حَتّى ما لَهُم بِشَيءٍ حاجَةٌ .
ثُمَّ قالَ : اِسقِهِم ، فَجِئتُهُم بِذلِكَ العُسِّ ، فَشَرِبوا حَتّى رَووا مِنهُ جَميعا ، ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! إنّي وَاللّهِ ما أعلَمُ شابّا فِي العَرَبِ جاءَ قَومَه

1.العُسّ : القدح الكبير (النهاية : ج۳ ص۲۳۶) .

2.الحِذْية : أي قطعة . قيل : هي ـ بالكسر ـ ما قطع من اللحم طولاً (النهاية : ج۱ ص۳۵۷) .

3.الصَّحْفَة : إناء كالقَصْعة المبسوطة ونحوها (النهاية : ج۳ ص۱۳) .

4.لَهَدّ : كلمة يُتعجّب بها (النهاية : ج۵ ص۲۵۰) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
130

إلّا عليّ عليه السلام ؛ حيث قام وصدح بذلك ، فأجلسه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتكرّر هذا الموقف في للمرّة الثانية والثالثة ، فقال صلى الله عليه و آله :
«اِجلِس ؛ فَأَنتَ أخي ووَزيري ووَصِيّي وخَليفَتي مِن بَعدي» ۱ .
وخاطب الحاضرين بقوله :
«إنَّ هذا أخي ، ووَصيّي ، وخَليفَتي عَلَيكُم ؛ فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوهُ» ۲ .
إلّا أنّ ذوي الضمائر السود ، والقلوب العليلة ، والأبصار العمي ، والأسماع الصمّ لم يذعنوا لصوت الحقّ ، ولجّوا وكابروا وعتَوا عن الكلام النبويّ ، بل إنّهم اتّخذوا أبا طالب سخريّاً . لكنّ الحقّ علا ، وطار كلامه صلى الله عليه و آله في الآفاق طلقاً من ذلك النطاق الضيّق ، ورسخت هذه الحقيقة فضيلةً عظمى إلى جانب فضائله عليه السلام ، وتبلور سند متين لإثبات ولايته إلى جانب عشرات الأسانيد الوثائقيّة ، وأعلن النبيّ صلى الله عليه و آله عمليّاً وحدة النبوّة والولاية في الاتّجاه والمسير وتلازمها ، ودلّ الجميع في اليوم الأوّل من الجهر بدعوته استمرار القيادة وامتدادها بعده ، وأودع ذلك ذمّة التاريخ ، والمهمّ هو تبيان موقع الكلام النبويّ .
و قال صلى الله عليه و آله كلمته : «فَاسمَعوا لَهُ وأَطيعوهُ» في وقت كانت قريش قد تصامّت عن سماع كلامه ولم تعره آذانا صاغية ، فمن البيّن أنّ هذا الكلام كان للمستقبل وأجياله القادمة ممّن يقرّ بنبوّته صلى الله عليه و آله ، ويعتقد بحجّيّة كلامه .

۱۱۰.الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» دَعاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقال لي : يا عَلِيُّ، إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُنذِرَ عَشيرَتِي الأَقرَبينَ ، فَضِقتُ بِذلِكَ ذَرعا ، وعَرَفتُ أنّي مَتى اُباديهِم بِهذَا الأَمرِ أرى مِنهُم ما أكرَهُ ، فَصَمَتُّ عَلَيهِ حَتّى جاءَني جَبرَئيلُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ إن لا تَفعَل ما تُؤمَرُ بِهِ يُعَذِّبكَ رَبُّكَ.

1.راجع : ص ۱۳۳ ح ۱۱۳ .

2.راجع : ج۱ ص۷۳ (الوصي) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76585
صفحه از 664
پرینت  ارسال به