253
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

هذه الروايات انتصارا لها ، وهو أنّ قوله : «لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» مخصوص بتأدية براءة فقط ، من غير أن يشمل سائر الأحكام التي كان ينادي بها عليّ عليه السلام ، وأنّ تعيينه صلى الله عليه و آله عليّا بتبليغ آيات براءة أهلَ الجمع إنّما هو لما كان من عادة العرب أن لا ينقض العهد إلّا عاقده أو رجل من أهل بيته ، ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعت النبيّ صلى الله عليه و آله أن يأخذ براءة ـ وفيها نقض ما للمشركين من عهد ـ من أبي بكر ويسلّمها إلى عليّ ؛ ليستحفظ بذلك السنّة العربيّة فيؤدّيها عنه بعض أهل بيته . قالوا : وهذا معنى قوله صلى الله عليه و آله لمّا سأله أبو بكر قائلاً : يا رسول اللّه هل نزل فيَّ شيء ؟ ! قال : «لا وَلكِن لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» ، ومعناه أنّي إنّما عزلتك ونصبت عليّا لذلك لئلّا أنقض هذه السنّة العربيّة الجارية . . . .
فليت شعري من أين تسلّموا أنّ هذه الجملة التي نزل بها جبرئيل ؛ «إنَّهُ لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ـ مقيّدة بنقض العهد لا يدلّ على أزيد من ذلك ، ولا دليل عليه من نقل أو عقل ! ! فالجملة ظاهرة أتمّ ظهور في أنّ ما كان على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه لا يجوز أن يؤدّيه إلّا هو أو رجل منه ، سواء ۱ كان نقض عهد من جانب اللّه ـ كما في مورد براءة ـ أو حكما آخر إلهيّا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه ويبلّغه .
وهذا غير ما كان من أقسام الرسالة منه صلى الله عليه و آله ممّا ليس عليه أن يؤدّيه بنفسه الشريفة كالكتب التي أرسل بها إلى الملوك والاُمم والأقوام في الدعوة إلى الإسلام ، وكذا سائر الرسالات التي كان يبعث بها رجالاً من المؤمنين إلى الناس في اُمور ترجع إلى دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك .
ففرقٌ جليّ بين هذه الاُمور وبين براءة ونظائرها ؛ فإنّ ما تتضمّنه آيات براءة

1.في المصدر : «سواه» وهو تصحيف .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
252

قال العلّامة الطباطبائي : قد عرفت أنّ الذي وقع في الروايات على كثرتها في قصّة بعث عليّ وعزل أبي بكر ـ من كلمة الوحي الذي نزل به جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله ـ هو قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» . وكذا ما ذكره النبيّ صلى الله عليه و آله حين أجاب أبا بكر ـ لمّا سأله عن سبب عزله ـ إنّما هو متن ما أوحى إليه اللّه سبحانه ، أو قوله ـ وهو في معناه : «لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» . وكيفما كان فهو كلام مطلق ؛ يشمل تأدية براءة وكلّ حكم إلهي احتاج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أن يؤدّيه عنه مؤدٍّ غيره ، ولا دليل ـ لا من متون الروايات ولا غيرها ـ يدلّ على اختصاص ذلك ببراءة .
وقد اتّضح أنّ المنع عن طواف البيت عريانا ، والمنع عن حجّ المشركين بعد ذلك العام [الفتح] ، وكذا تأجيل مَن له عهد إلى مدّة أو من غير مدّة ، كلّ ذلك أحكام إلهيّة نزل بها القرآن ، فما معنى إرجاع أمرها إلى أبي بكر ، أو نداء أبي هريرة بها وحده ، أو نداؤه ببراءة وسائر الأحكام المذكورة في الجمع إذا بحّ عليّ عليه السلام حتى يصحل صوته من كثرة النداء ؟ ! ولو جاز لأبي هريرة أن يقوم بها والحال هذه فلِم لم يجُز لأبي بكر ذلك ؟ !
نعم أبدع بعض المفسّرين ـ كابن كثير وأترابه ـ هنا وجها ؛ وجّهوا به ما تتضمّنه

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76287
صفحه از 664
پرینت  ارسال به