هذه الروايات انتصارا لها ، وهو أنّ قوله : «لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» مخصوص بتأدية براءة فقط ، من غير أن يشمل سائر الأحكام التي كان ينادي بها عليّ عليه السلام ، وأنّ تعيينه صلى الله عليه و آله عليّا بتبليغ آيات براءة أهلَ الجمع إنّما هو لما كان من عادة العرب أن لا ينقض العهد إلّا عاقده أو رجل من أهل بيته ، ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعت النبيّ صلى الله عليه و آله أن يأخذ براءة ـ وفيها نقض ما للمشركين من عهد ـ من أبي بكر ويسلّمها إلى عليّ ؛ ليستحفظ بذلك السنّة العربيّة فيؤدّيها عنه بعض أهل بيته . قالوا : وهذا معنى قوله صلى الله عليه و آله لمّا سأله أبو بكر قائلاً : يا رسول اللّه هل نزل فيَّ شيء ؟ ! قال : «لا وَلكِن لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» ، ومعناه أنّي إنّما عزلتك ونصبت عليّا لذلك لئلّا أنقض هذه السنّة العربيّة الجارية . . . .
فليت شعري من أين تسلّموا أنّ هذه الجملة التي نزل بها جبرئيل ؛ «إنَّهُ لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ـ مقيّدة بنقض العهد لا يدلّ على أزيد من ذلك ، ولا دليل عليه من نقل أو عقل ! ! فالجملة ظاهرة أتمّ ظهور في أنّ ما كان على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه لا يجوز أن يؤدّيه إلّا هو أو رجل منه ، سواء ۱ كان نقض عهد من جانب اللّه ـ كما في مورد براءة ـ أو حكما آخر إلهيّا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه ويبلّغه .
وهذا غير ما كان من أقسام الرسالة منه صلى الله عليه و آله ممّا ليس عليه أن يؤدّيه بنفسه الشريفة كالكتب التي أرسل بها إلى الملوك والاُمم والأقوام في الدعوة إلى الإسلام ، وكذا سائر الرسالات التي كان يبعث بها رجالاً من المؤمنين إلى الناس في اُمور ترجع إلى دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك .
ففرقٌ جليّ بين هذه الاُمور وبين براءة ونظائرها ؛ فإنّ ما تتضمّنه آيات براءة