دعوته ، ثمّ يمضي من دون أن يدبّر لحركته الفتيّة برنامجاً يصونها ويؤمّن لها المستقبل ؟ ثمّ هل يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائداً خاض جميع هذه المواجهات ، ثمّ يتصوّر أنّ اُمّته امتلكت من الصلابة ما يُحصّنها من جميع هذه المكائد والأخطار ، بحيث لم يعُد يخشى عليها من أحابيل هؤلاء ، وإنّ مكر هؤلاء وقوّتهم قد تلاشت ولم تعُد تؤلّف خطراً ذا بال ؟ !
2 ـ السلبيّة إزاء المستقبل
العنصر الثاني الذي يمكن أن يوجّه الفرضيّة الاُولى ويقدّم لها تفسيراً منطقياً ، هي أن نفترض أنّ النبيّ القائد يدرك الأخطار التي تحفّ دعوته ، ويتطلّع إلى أهميّة المستقبل بنحو جيّد ، لكنّه مع ذلك لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ تلك الأخطار ، لأ نّه يرى أنّ رسالته تنتهي بحياته ، وهو يتحمّل مسؤوليّتها مادام حيّاً ، فإذا لم يعُد بين الناس ، ولم يكن ثمّ خطر يتهدّد حياته ، وإنّ ما يمكن أن تتعرّض له الدعوة من بعده لا يتعارض مع مصالحه الشخصيّة ـ وحاشاه ـ فلماذا يُبادر لحمايتها وتأمين مستقبلها ؟ بل لِيدعها والاُمّة التي ترتبط بها بانتظار المصير المجهول !
أ يليق هذا التصوّر بقائد واقعي ، وسياسي فطن ورسالي مثابر ؟ ! فكيف يصدق هذا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونفسُه الطهور لا تعرف الراحة في سبيل إعلاء كلمة اللّه ، حتى تسلّيه السماء ، ويأتيه النداء الربّاني يدعوه إلى الهدوء : «طـه * مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى »۱ .
وكيف يصدق ذلك على نبيّ اللّه ، وهذه السماء تجسّم معاناته وما يبذله في سبيل هداية الناس : «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»۲ .