297
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قد بشّر بسقوط تيجان كسرى وقيصر ، وانهيار الإمبراطوريّتين : الفارسيّة والروميّة ، وأنّ رسالته ستمتدّ في الزمان والمكان من دون أن تعرف الحواجز والحدود .
فهل كان الصحابة على مستوى من الدراية والعلم يؤهّلهم للنهوض بهذه المسؤوليّة الكبيرة ؟
ما هي الحقيقة ؟ وهل يمكن أن نتصوّر الصحابة على مستوى النهوض بهذه المسؤوليّة ؟ هذا سؤال خطير لاحَ لكثيرين ، ولا يمكن تجاوزه ببساطة ؛ لأنّ الإغضاء عنه ينمّ عن ضرب من السذاجة واللامبالاة في الاُصول العقيديّة .
لقد كان الباحث مروان خليفات وواحداً من الذين لاح لهم هذا السؤال ، فدفعه إلى البحث والتأمّل . ثمّ أثمرت جولته التي دفعته إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة ، وأسفرت عن نتيجة مهمّة جدّاً جديرة بالقراءة ، حيث خصّص لها الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه . وهذه خلاصة مكثّفة لما انتهى إليه :
الصحابة يُقلّون السؤال ، ولا يروون إلّا قليلاً ممّا سمعوه .
وقد بذلوا جهدهم في منع تدوين الحديث ، والحؤول دون انتشاره . بالإضافة إلى أ نّهم لم يتلقّوا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا حقائق قليلة ، لانشغالاتهم الكثيرة ؛ حيث صرحوا بأنفسهم أ نّه كان يلهيهم الصفق بالأسواق وغيره من الأشغال ، ويحول بينهم وبين حقائق السنّة ۱ .
من النتائج التي خرج بها البحث أنّ الصحابة كانوا كثيراً ما يُخطئون في النقل ؛ فهم تارة ينقلون شطراً من الحديث ، وتارة يأخذون الحديث عن مخبر وينسبونه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، وثالثة ينسَون ما سمعوه وقد صرّحوا بذلك ، ورابعة يخطئون في الجواب

1.صحيح البخاري : ج۶ ص۲۶۷۶ ح۶۹۲۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
296

يستدلّ على صحّة موقفة بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله هو الذي اختار نظام الشورى للاُمّة من بعده ، وليس في حياتهم ما يُنبئ عن إيمانهم بالشورى وممارستهم لهما عمليّاً ، فأبو بكر اتجّه إلى «النصب» في تعيين البديل الذي يخلفه ، أمّا عمر بن الخطّاب فلم يلجأ إلى خيار الشورى السداسيّة إلّا بعد أن دفعته الضرورة لذلك ، حيث لم يرَ البديل المناسب ؛ وفي ذلك يقول وهو على فراش الموت : «لَو أدرَكَني أحَدُ رَجُلَينِ ثُمَّ جَعَلتُ هذَا الأَمرَ إلَيهِ ، لَوَثِقتُ بِهِ ؛ سالِمٌ مَولى أبي حُذَيفَةَ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ» ۱ ، وقال «لَو كانَ سالِمٌ حَيّاً ما جَعَلتُها شورى» ۲ ، وقال: «لَو أدرَكتُ أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ لَاستَخلَفتُهُ وما شاوَرتُ» ۳ .
بهذا يتّضح أنّ هذه النظريّة لا تمتّ إلى واقع النبيّ صلى الله عليه و آله بصلة ، بل هي ممّا اُنتج بعد ذلك بزمن ، وتمّ صياغتها بمرور الوقت لتبرير ما وقع في صدر التاريخ الإسلامي وتصويبه ، ومن ثمَّ فهي أقرب إلى تنظير ما بعد الوقوع ۴ !
ب : لو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد فكّر بطرح الشورى كخيار للمستقبل ، ولو أ نّه أراد إسناد المرجعيّة الفكريّة للرسالة والقيادة السياسيّة للاُمّة إلى جيل الصحابة ، لتحتّم أن يعبّئ هذا الجيل تعبئة فكريّة ورساليّة مكثّفة لكي يعدّه للمهمّة التي تنتظره ،

1.مسند ابن حنبل : ج۱ ص۵۴ ح۱۲۹، سير أعلام النبلاء : ج۱ ص۱۷۰ ، تاريخ دمشق: ج۴۴ ص۴۲۷ ، الطبقات الكبرى : ج۳ ص۳۴۳ ، كنز العمّال : ج۵ ص۷۳۲ ح۱۴۲۴۸ .

2.اُسد الغابة : ج۲ ص۳۸۳ الرقم ۱۸۹۲ ، الاستيعاب : ج۲ ص۱۳۶ الرقم ۸۸۶ .

3.المستدرك على الصحيحين: ج۳ ص۳۰۰ ح۵۱۶۵ ، الطبقات الكبرى: ج۳ ص۴۱۳ و راجع كنز العمال: ج۱۳ ص۲۱۵ ح۳۶۶۵۲.

4.هنا تكمن ورطة الباحثين الإسلاميّين الذين كتبوا في نظام الحكم ، فبعد أن نفى هؤلاء النصّ بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وجنحوا إلى نظام الشورى الذي يعتقدون به ، وعجزوا عن الاستناد إلى نصوص نبويّة تؤيّد اختيارهم النظري ، راحوا يستشهدون باُمور لا تمتّ إلى هذه الرؤية بصلةٍ قط . راجع على سبيل المثال : كتاب «النظريّات السياسيّة الإسلاميّة» ، و «فقه الشورى والاستشارة» ، و «الشورى وأثرها في الديمقراطيّة» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76462
صفحه از 664
پرینت  ارسال به