319
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

ومفسّروهم منذ القدم إلى «آية التطهير» من بين ما استندوا إليه في إثبات عصمة «الأئمّة» وطهارة «أهل البيت» ، وهو استدلال متين كشف عن قوّته وإحكامه في الدراسات المختصّة بذلك . بيد أنّ ما يعنينا أمره في هذا المجال ، وله صلة وثيقة ، بل ضروريّة ببحثنا ، هو معرفة طبيعة عرض هذه المسألة ، والكيفيّة التي استند إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بيانها ، وهنا بالذات تكمن الملاحظة التي أحببنا المكوث عندها قليلاً .
لقد مضت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ بعد أن تلا آية التطهير على المسلمين ـ أيّام وأشهر طويلة وهو يقف إلى جوار بيت عليّ ، وينادي إذا حضر وقت الصلاة : «الصَّلاةَ يا أهلَ البَيتِ» ۱ . على هذا ليس هناك شكّ في أنّ «أصحاب الكساء» هم مصداق «أهل البيت» ، وأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو سيّد أهل البيت وذروة السنام فيه . إنّما الذي يحظى بأهمّية أكبر بنظرنا هو ما كان يفعله الرسول في ثنايا تركيزه على الإعداد لقيادة المستقبل ، وكجزء من برنامجه لإعلان الإمامة التي تخلفه ، إلى جوار تأكيده على التصريح بطهارة أهل البيت وعصمتهم ، وحتى بعد إعلان هذه الفضيلة راح يكرّر على الدوام قوله صلى الله عليه و آله : «أنَا حَربٌ لِمَن حارَبَكُم ، وسِلمٌ لِمَن سالَمَكُم» ۲ ، فماذا يعني هذا التكرار ، وما هو مغزاه ؟
يبدو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كشف للاُمّة ـ من خلال تفسيره النافذ البصير لقوله سبحانه : «وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَـكَ إِلَا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ»۳ ـ عن وجود اُسرة ستنقضّ على المجتمع الإسلامي ، وتسومه الأذى والعذاب والظلم ، وبتشبيهه حركة هذه الاُسرة بنزو القردة كشف عن هويّتها القرديّة ،

1.أهل البيت في آية التطهير : ص۴۰ ـ ۴۵ .

2.لمزيد الاطّلاع على صيغ الحديث وطرقه راجع : أهل البيت في الكتاب والسنّة : ص۱۶۵ .

3.الإسراء : ۶۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
318

(11 )

أحاديث العصمة

إنّ «العصمة» بمعنى الوقاية من الذنب والخطأ والجهل ، والاحتراز من الاعوجاجات التي تشوب السلوك ، هي من الخصائص الحتميّة لرسل السماء ؛ ويبدو أن ليس هناك نحلة أو فرقة من المسلمين تشكّ في ضرورة عصمة الأنبياء ، فالأنبياء عليهم السلام معصومون بنصّ القرآن ، وهذه حقيقة أجمع عليها المتكلّمون والعلماء ؛ إذ ليس هناك من يناقش في أصل العصمة وضرورتها ، إنّما يمكن أن يكون لبعضهم كلام في حدّها وحدودها .
أمّا عقيدة الشيعة التي تستند إلى «النصّ» على الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتركّز على أنّ الإمامة قائمة على أساس النصوص الثابتة ، فهي تؤمن بأنّ جميع خصائص رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ ما خلا النبوّة ـ تتجسّد في الإمام ، وتواصِل حضورها في خليفته من بعده ، وهي تعدّ ذلك أمراً قطعيّاً على أساس نصوص كثيرة ودلائل عقليّة وافرة نُقّحت في مظانّها .
لقد ركّز علماء الشيعة ومتكلّموهم على هذا الأصل إزاء بقيّة الفرق الإسلاميّة ، وعدّوا هذا الموقع ضرورياً لخليفة النبيّ ، وذلك في مقابل التيّارات الاُخرى في الساحة الإسلاميّة من تلك التي لم تتبنّ ضرورة النصّ ، على أنّ طبيعة هذه المواقف ، وتحليل خلفيّاتها التاريخيّة وبناها الفكريّة ، هو أمر خارج عن نطاق هذا البحث .
لكن يحسن بنا الآن أن نتوقّف مع ملاحظة سريعة ، قبل أن نواصل متابعة الجهود النبويّة لتشييد قواعد الإمامة العلويّة ، وتثبيت إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وطبيعة النهج الذي اعتمده رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعرض هذه الحقيقة ؛ فقد استند متكلّمو الشيعة

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76417
صفحه از 664
پرینت  ارسال به