331
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

حال سماعهم الكلام النبوي ، يُظهرون بذلك إباءهم له .
2 ـ تذكر بعض الروايات في تصوير الحالة «خفض الصوت» ، وبعضها الآخر ذكرت «اللغط والضجيج» ، حيث يرتبط كلّ وصف من هذه الأوصاف بمورد من موارد النقل . فجابر يذكر أ نّه لم يسمع الكلام النبوي في المسجد لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خفض صوته ، أمّا في الحديث الذي جاء في مسند أحمد بن حنبل ، فقد ذكر جابر أ نّه لم يسمع الكلام للغط القوم وهياجهم .
والظاهر أنّ خفض النبيّ صوته كان في المسجد النبوي في المدينة ، ولغط الناس وهياجهم كان في حَجَّة الوداع ، كما أشارت لذلك الروايات المتقدّمة .
3 ـ إنّه لأمر حريّ بالانتباه ما جاء في أحد النقول ، من أنَّ النبيّ قال عندما أخفى صوته : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» .
والحقّ ، لا يستبعد أن تكون تتمّة الكلام ـ على وجه الحقيقة ـ هي جملة : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» ، التي أثارت الهياج ، وعلا كلام كثيرين عند سماعها ، فلم يذعنوا لها ، وأبوا قبولها ، والنقطة التي تزيد من قوّة هذا الاستنتاج هي مشهد السقيفة وما جرى في ذلك اليوم من حوادث ، ففي صراع يوم السقيفة لم يستند أيّ من أطراف اللعبة على مثل هذا الكلام ، ولم يذكر أحد أ نّه سمع النبيّ ، يقول : «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» برغم أنّ هذا الكلام كان يمكن أن يكون مؤثّراً في حسم الموقف .
لهذا كلّه ، يمكن القول أنّ تتمّة الحديث النبوي كانت : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمِ» لا غير ، ثمّ بمرور الوقت وعندما حانت لحظة تدوين الحديث قدّروا أنّ من «المصلحة» استبدال «كلّهم من بني هاشم» بتعبير «كلّهم من قريش» !
مهما يكن الأمر ، ينطوي هذا الحديث بنقوله الكثيرة وطرقه المتعدّدة التي أيّدها محدّثو أهل السنّة أيضاً ؛ ينطوي على رسالة واحدة لا غير هي الإعلان عن ولاية عليّ بن أبي طالب وأولاده ، والتصريح بخلافة عليّ عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بلا فصل . ومن ثمّ فهو دليل آخر على السياسة النبويّة الراسخة في تحديد مستقبل الحكم وقيادة الاُمّة من بعده .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
330

ج : ذكر في بعضها أنّ سبب عدم سماع كلام النبيّ كان لغط الناس واهتياجهم ، حيث ضاع كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يعد يُسمع وسط ضجيج الحاضرين وصراخهم . والذي يبعث على الدهشة والأسى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في الوقت الذي كان يتحدّث فيه إلى الناس ، نجد الذين يستمعون إليه يرفعون أصواتهم خلافاً لصريح الأمر الإلهي : « لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَ تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ »۱ ، وقد علت أصواتهم وزاد اهتياجهم حتى لم يعد يتميّز كلام النبيّ وما يقوله في هذا الضجيج ، بحيث لم يكن بمقدور الراوي ـ جابر ـ أن يتابع بقيّة الكلام ، فلاذ بالآخرين ، فذكروا له أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» . لقد جاءت صيغ متعدّدة تدلّ على هذا المعنى ، منها :
«ثُمَّ لَغَطَ القَومُ وتَكَلَّموا ، فَلَم أفهَم قَولَهُ بَعدَ كُلُّهُم» ۲ .
«فَقالَ كَلِمَةً صَمَّنيهَا النّاسُ» ۳ .
«ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أصَمَّنيهَا ۴ النّاسُ ، فَقُلتُ لِأَبي ـ أو لِابني ـ : مَا الكَلِمَةُ الَّتي أصَمَّنيهَا النّاسُ ؟ قالَ : كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» ۵ .
كما جاء أيضاً : «فَصَرَخَ النّاسُ ، فَلَم أسمَع ما قالَ» ۶ .
وبتأمّل ما أوردناه يهتدي الباحث إلى نقاط ، لا يخلو ذكرها من فائدة :
1 ـ تحظى قضيّة الخلافة ومستقبل الاُمّة ومصيرها بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بحسّاسيّة فائقة ، بحيث كان النبيّ عندما يصل إلى النقطة الجوهريّة ويبلغ لبّ المسألة يخفض صوته حتى لكأ نّه يهمس ، وفي موقع آخر كان الناس يبادرون إلى اللغط وإثارة الضوضاء

1.الحجرات : ۲ .

2.مسند ابن حنبل : ج۷ ص۴۳۰ ح۲۰۹۹۱ ، المعجم الكبير : ج۲ ص۱۹۶ ح۱۷۹۵ .

3.صحيح مسلم : ج۳ ص۱۴۵۳ ح۹ ، مسند ابن حنبل : ج۷ ص۴۲۸ ح۲۰۹۸۰ وفيه «أصمّنيها» .

4.أصمّنيها الناس : أي شغلوني عن سماعها ، فكأ نّهم جعلوني أصمَّ (لسان العرب : ج۱۲ ص۳۴۳) .

5.مسند ابن حنبل : ج۷ ص۴۳۵ ح۲۱۰۲۰ ؛ الخصال : ص۴۷۲ ح۲۳ .

6.الخصال : ص۴۷۳ ح۲۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76620
صفحه از 664
پرینت  ارسال به