335
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

السعادة ، وتوجيه يعصم من الضلالة والردى .
النقطة الأهمّ التي يحويها هذا الكلام النبوي العظيم ، والحقيقة العظمى التي يجهر بها دون لبس ، هي مرجعيّة أهل البيت عليهم السلام ، والحثّ على وجوب اتّباعهم والائتمام بهم في الأقوال والأفعال ، وقد صرّح بهذه الحقيقة الرفيعة عدد كبير من العلماء ، منهم سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ؛ أحد كبار متكلّمي أهل السنّة ، حين قال : «إنَّهُ صلى الله عليه و آله قَرَنَهُم بِكِتابِ اللّهِ في كَونِ التَّمَسُّكِ بِهِما مُنقِذاً مِنَ الضَّلالَةِ ، ولا مَعنى لِلتَّمَسُّكِ بِالكِتابِ إلَا الأَخذُ بِما فيهِ مِنَ العِلمِ وَالهِدايَةِ ، فَكَذا فِي العِترَةِ» ۱ .
على صعيد آخر تتمثّل أهمّ مهامّ النبيّ صلى الله عليه و آله ومسؤوليّاته بالهداية وإزالة الضلالة . هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى ؛ فإنّ ما يأتي في طليعة واجبات الاُمّة وأكثرها بداهة ، هو ضرورة تمسّكها بكلّ ما يبعث على الهداية ، ويعصم من الضلال . وهذا ما فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله تماماً ، وهو يضع المسلمين أمام هذا الواجب ، في قوله : «ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا» ؛ وعندئذٍ هل يسع إنسان أن يتردّد في وجوب اتّباع «العترة» الهادية ، والتسليم إليها وهي العاصمة عن الضلال ؟ !
ممّا يدلّ عليه الحديث أيضاً أنّ التمسّك بهذين الثقلين الكريمين يكفي لبلاغ المقصد الأسنى وتحصيل الهداية ، وأن ليس وراءهما إلّا الضلال «فمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَـلُ»۲ .
من جهة اُخرى يسجّل حديث الثقلين «عصمة» العترة من دون لبس وغموض ؛ فمن زاوية عدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله التمسّك بها واجباً ضروريّاً من دون أيّ قيد أو شرط ،

1.شرح المقاصد : ج۵ ص۳۰۳ . ولمزيد الاطّلاع على آراء عدد من علماء أهل السنّة راجع : نفحات الأزهار : ج۲ ص ۲۴۸ .

2.يونس : ۳۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
334

(15 )

حديث الثقلين

من بين الخطوات التي تدبّرها الرسول القائد لمستقبل الاُمّة ، للحؤول دون تفشّي الضلالة ، وشيوع الجهل في وسطها ، وانحدارها إلى هوّة الحيرة والضياع ، هي جهوده التي بذلها لتعيين المرجعيّة الفكريّة ، وتحديد مسار ثابت للحركة الفكريّة ، وبيان كيفيّة تفسير القرآن والرسالة والمصدر الذي يستمدّ منه ذلك . هذه الحقيقة ربّما عبّرت عن نفسها بأنصع وجه في «حديث الثقلين» .
لقد تضوّعت مواطن كثيرة بشذى الحديث ؛ حيث صدع به النبيّ صلى الله عليه و آله مراراً بمحتوىً واحد وصيغ بيانيّة متعدّدة ، وفي مواضع مختلفة ؛ في عرفة ، ومسجد الخيف ، وفي غدير خمّ ، كما أتى على ذكره في آخر كلام له وهو على مشارف الرحيل وقد ثقل عليه المرض ، في الحجرة الشريفة ، وغير ذلك . وبالإضافة إلى أهل البيت عليهم السلام فقد روى الحديث عدد كبير من الصحابة ، كما ذهب إلى صحّته كثير من التابعين والعلماء ۱ .
إنّ للحديث صيغاً متعدّدة ، جاء في إحداها : «إنّي تارِكٌ فيكُم ما إن تَمسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا بَعدي ، أحَدُهُما أعظَمُ مِنَ الآخَرِ ؛ كِتابُ اللّهِ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّماءِ إلَى الأَرضِ ، وعِترَتي أهلُ بَيتي ، ولَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما» ۲ .
كلام عظيم ، ومنقبة شاهقة ، وفضيلة سامية لا نظير لها ، وهداية تبعث على

1.راجع : نفحات الأزهار : ج۲ ص۹۰ ، وأهل البيت في الكتاب والسنّة : ص۱۳۵ .

2.سنن الترمذي : ج۵ ص۶۶۳ ح۳۷۸۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76502
صفحه از 664
پرینت  ارسال به