ثُمَّ راحَ مِنَ الأَبواءِ ونَزَلَ يَومَ الجُمُعَةِ الجُحفَةَ ۱ ، ومِنها إلى قُدَيدٍ ۲ ، وسَبَتَ فيهِ ، وكانَ يَومَ الأَحَدِ بِعُسفانَ ۳ ، ثُمَّ سارَ ، فَلَمّا كانَ بِالغَميمِ ۴ اعتَرَضَ المُشاةُ فَصَفّوا صُفوفا فَشَكَوا إلَيهِ المَشيَ ، فَقالَ : اِستَعينوا بِالنَّسَلانِ ؛ مَشيٍ سَريعٍ دونَ العَدو ، فَفَعَلوا ، فَوَجَدوا لِذلِكَ راحَةً .
وكانَ يَومَ الإِثنَينِ بِمَرِّ الظَّهرانِ ۵ ، فَلَم يَبرَح حَتّى أمسى ، وغَرَبَت لَهُ الشَّمسُ بِسَرِفٍ ۶ ، فَلَم يُصَلِّ المَغرِبَ حَتّى دَخَلَ مَكَّةَ . ولَمَّا انتَهى إلَى الثَّنِيَّتَينِ باتَ بَينَهُما ، فَدَخَلَ مَكَّةَ نَهارَ الثُّلاثاءِ .
فَلَمّا قَضى مَناسِكَهُ ، وَانصَرَفَ راجِعا إلَى المَدينَةِ ـ ومَعَهُ مَن كانَ مِنَ الجُموعِ المَذكوراتِ ـ وَصَلَ إلى غَديرِ خُمٍّ ۷ مِنَ الجُحفَةِ الَّتي تَتَشَعَّبُ فيها طُرُقُ المَدَنِيّينَ وَالمِصرِيّينَ وَالعراقِيّينَ ، وذلِكَ يَومُ الخَميسِ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، نَزَلَ إلَيهِ جَبرَئيلُ الأَمينُ عَنِ اللّهِ بِقَولِهِ : «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» الآيَةَ ، وأمَرَهُ أن يُقيمَ عَلِيّا عَلَما لِلنّاسِ ، ويُبَلِّغَهُم ما نَزَلَ فيهِ مِنَ الوِلايَةِ وفَرضِ الطّاعَةِ عَلى كُلِّ أحَدٍ .
1.الجُحْفة : وهي ميقات المصريّين والشاميّين بالقرب من رابغ (تقويم البلدان : ص۸۰) .
2.قُدَيد : اسم موضع قرب مكّة (معجم البلدان : ج ۴ ص ۳۱۳) .
3.عُسْفان : هي منزلة للحجّاج على مرحلة من خليص في الجنوب (تقويم البلدان : ص۸۲)
4.وهو كُرَاع الغميم : واد أمام عُسفان بثمانية أميال (معجم البلدان : ج۴ ص۴۴۳) .
5.الظَّهْران : وادٍ قرب مكّة ، وعنده قرية يقال لها مرّ ، تضاف إلى هذا الوادي فيقال : مرّ الظهران (معجم البلدان : ج۴ ص۶۳) .
6.سَرِف : موضع على ستّة أميال من مكّة، وقيل: سبعة ، وتسعة ، واثني عشر ، تزوّج به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ميمونة بنت الحارث ، وهناك توفّيت (معجم البلدان : ج۳ ص۲۱۲) .
7.غَدير خُمّ : خُمّ وادٍ بين مكّة والمدينة عند الجحفة به غدير ، عنده خطب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (معجم البلدان : ج۲ ص۳۸۹) .