527
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

حتى لكأنّه ما بلّغ من «الرسالة» شيئاً .
هذا بدوره يُثبت صحّة الروايات التي ذهبت إلى أنّ نزول الآية جاءَ في سياق سورة «المائدة» ، ومن جملة آخر الآيات المدنيّة ، لا أنّها مستثناة منها ، وأنّها نزلت في مكّة !
3 ـ قوله : «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ» .
ما الذي يخشاه النبيّ ؟ القتل ؟ ! الأذى والتعذيب ؟ ! أم اهتياج المشركين واليهود وتفجّر سخطهم ؟ !
هذه سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تفصح بأنّ هذا العظيم لم يعرف الخوف إلى قلبه طريقاً قط عندما يتعلّق الأمر به .
ثمّ اسمعوا وحي السماء ؛ لتروا كيف تصف صلابة رُسُل اللّه ، وشموخ حمله الرسالات وثباتهم : «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَــلَـتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَ لَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَا اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا »۱ ! أوَ بعد هذا ، يجوز أن يُنعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالخوف من البطش والأذى ، أو الرهبة مِن القتل والتعذيب ، وهو أفضل الرسل الكرام ، وخاتم النبيّين ، والحلقة الأخيرة في موكب حملة الحقّ ورسالات السماء !
هي إذاً خشيةٌ ، بيد أنّها من «لون» آخر ، فما كان يخشاه النبيّ هو أن لا يؤتي «البلاغ» ثماره المرجوّه ، وما كان يبعث على توجّسه هو طبيعة الجوّ الذي يمنع من نفاذ كلمة الحقّ ، ويردع عن أن يؤتي «البلاغ» آثاره المطلوبة . هذا ما كان يخشاه النبيّ ويبعث في نفسه التوجّس لاغير .
4 ـ قوله : «مِنَ النَّاسِ» .
«الناس» هو لفظ مطلق بلا شكّ ، والنصّ يتضمّن حفظ اللّه سبحانه وحراسته

1.الأحزاب : ۳۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
526

ومن ثَمّ ذهبوا إلى أنّ الآية المباركة نزلت في الثامن عشر من ذي الحجّة عام 10 ه لتؤكّد ـ والمسلمون محتشدون من كلّ حدب وصوب ـ على «الولاية العلويّه» للمرّة الأخيرة ، في ظلّ أجواء أخّاذه مؤثّره تستعصي على النسيان .
أمّا علماء أهل السنّة فقد تفرّقت بهم السبل ، فلم تتّفق كلمتهم بشأن زمن نزول الآية ، كما لم يتوحّدهم رأي بشأْن محتوى الأمر الذي يتحتّم على النبيّ إبلاغه .
لقد رصد فخر الدين الرازي أغلب هذه الآراء ، وأنهاها إلى عشرة أقوال ، يتّفق القول الأخير منها مع رؤية الشيعة . لكن من اليسير أن نلحظ عدم استقامة ما ذكره ، وإن يبدو وجود مؤيّدات أحياناً في كلمات الصحابة أو التابعين ذكرها غير الفخر الرازي في كتبهم .
وقبل أن نطلّ على بعض الرؤى التي اكتنفت الآية ، من الجدير أن نتناول مفهومها بشيء من البحث والتحليل ، عبر النقاط الآتية :
1 ـ قوله سبحانه : «بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» .
تنصّ الجملة إلى أنّ المعنيّ بالخطاب هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفيها دلالة على أنّ محتوى الرسالة يرتبط به أكثر ، وقد اُمر بالإبلاغ ، لكن ثَمّ حالة من التوجّس والخيفة تمنعه من الإجهار . ولقد ذكر هذه الحقيقة جميع رواة الشيعة ، وأيّدتها بعض روايات العامّة ۱ .
2 ـ قوله : «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» .
تحتشد في هذا الجزء من الآية دِلالات تفيد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان عند نزول الآية قد انتهى من تبليغ الرسالة ، ووفى بحقّ هذا الدين ، وأنّ هذا النبيّ حمل إلى الناس كلمات اللّه وهدي السماء وتعاليمها ، ثم هو الآن في مواجهة «أمر» بلغ من عظيم شأنه وجلال خطره ، أنّه إذا لم يُعلنه تصير «الرسالة» بأتمّها عرضة للضياع ،

1.شواهد التنزيل : ج۱ ص۲۵۴ ح۲۴۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 77858
صفحه از 664
پرینت  ارسال به