529
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

يبدو أنّ أوّل من ذهب الى ذلك ـ وان لم يقطع به ـ هو محمّد بن إدريس الشافعي ، فعلى أساس ما ذكره ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعد أن أتاه الوحي ونزلت عليه :
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» ، كبر ذلك عليه ، وخاف التكذيب وأن يُتناول من قبل المشركين ، فنزل عليه «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» ، وقد كان ذلك عصمة له من قِبَل اللّه سبحانه كي يمضي على تبليغ ما اُمر به بثبات ودون خوف ۱ .
على أساس هذه الرؤية روي عن الحسن البصري قوله : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لَمّا بَعَثَنِيَ اللّهُ تَعالى بِرِسالَتِهِ ضِقتُ بِها ذَرعَاً ، وَعَرَفتُ أنَّ مِنَ النّاسِ مَن يُكَذِّبُني» ۲ فأمسك عن الدعوة حتى نزلت عليه الآية .
ذكرنا فيما سلف أنّ سورة المائدة هي من بين آخر السور التي نزلت على النبيّ صلى الله عليه و آله إن لم تكن آخرها ۳ . فما الذي كان يريده اللّه سبحانه من قوله : «بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ» ، ولم ينزل على النبيّ صلى الله عليه و آله شيء بعدُ ؟ وما الذي كان يخشاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويمنعه عن الإبلاغ ولمّا يواجهِ المشركون بعدُ آيةً أو آيات من تلك التي تقضّ مضاجعهم ، وتبعث فيهم النقمة والاهتياج !
إنّ هذا الذي يزعمونه لا يليق بمُبلِّغ عاديّ ، وهو ليس خليق بإنسان متوسّط الحال لايزال في أوّل الطريق ، أفيجوز على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك القلب المجدول إلى السماء ، الموصول باللّه أبداً ؟ وهل يتّسق مع خطاه الراسخة وتلك الارادة الصلبة التي لا تعرف الوهن !
أمّا ما ذكروه من أنّ الباعث على نزول الآية هو ما كان من حراسة أبي طالب عمّ النبيّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ بنزول الآية طلب النبيّ إليه أن يكفّ عن الحراسة بعد أن

1.الاُمّ : ج۴ ص۱۶۸ ، والنصّ طويل وقد أخذنا منه مورد الحاجة .

2.أسباب النزول للواحدي : ص۲۰۴ ح۴۰۲ ؛ الدرّ المنثور : ج۳ ص۱۱۶ نحوه .

3.تفسير ابن كثير : ج۳ ص۳ ؛ التحرير والتنوير : ج۴ ص۲۵۵ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
528

للنبيّ صلى الله عليه و آله ؛ حفظه من أحابيل اُولئك الذين ستنطلق جهودهم وهي تهدف الحؤول دون وصول «البلاغ» الى الناس ، ومِن ثمَّ إفشال مهمّته .
فعلى هذا يتّضح أنّ المراد من «الكفر» في قوله : «الْقَوْمِ الْكَـفِرِينَ» هو الكفر ببعض الآيات الربّانيّة ، والمقصود من «عدم الهداية» في قوله سبحانه : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى» هو عدم نجاح خديعة هؤلاء ، وفشل ما أبرموه للنَّيل من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إبلاغ «ما اُنزل» .
وإلّا لو كان المراد من «عدم الهداية» عدم الهداية إلى الإيمان ، لتعارض ذلك مع أصل التبليغ ومهمّة الإبلاغ ، ولم يتّسق مع فلسفة الدعوة والهداية بالأساس ، حتى لكأنّ اللّه سبحانه يقول : ادعو هؤلاء الى حكم اللّه ، بيد أنّني لن أهديهم !
وهكذا يتّضح ـ بلا أدنى شائبة ـ أنّ المراد في مدلول هذا الجزء من الآية أنّ جهود هؤلاء في إطفاء هذا النور ستصاب بالخيبة ، وستبوء جهودهم للطعن بالنبيّ بالضلالة والخسران ، وتذهب مساعيهم لإفشال هذا «البلاغ» أدراجَ الرياح ، ولن يحصدوا من رمي النبيّ صلى الله عليه و آله بتهمة الانحياز إلى بيته وقرابته القريبة إلاّ الذلّة والصغار .
فالمقصود إذاً : ستسقط كلّ اُمنيات هؤلاء للحؤول دون الإجهار بهذا البلاغ ، وتصير كهشيم تذروه ريح عاتية .
تحوي هذه الآية من النقاط والعظات المضيئة أكثر بكثير ممّا سطّرته هذه الكلمات . لكن مع ذلك فإنّ ما أوردناه في نقل الرؤى يهدف إلى تشييد معالم المشهد التاريخي للواقعة ، وتجسيد أجواء النزول ، أكثر ممّا يهدف إلى تبيين معنى الآية .
أمّا الآن فنمرّ على بعض الأقوال في الآية من خلال المحورين التاليين :
1 ـ نزول الآية أوّل البعثة ، والخشية من إبلاغ الدين !

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76577
صفحه از 664
پرینت  ارسال به