651
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1

عمره المبارك ، كان بلا شكّ يمثّل آخر جهوده ومساعيه لوضع حلّ يضمن سلامة المجتمع ، ويقي الاُمّة من الانحراف من بعده . ومن هذا المنطلق أمر الرسول صلى الله عليه و آله ـ وهو في فراش المرض، وبدنه الشريف يلتهب من شدّة الحُمّى ـ بتجهيز جيش بقيادة الشابّ اُسامة بن زيد ، وأكّد على الخروج فيه ، ولعن المتخلّفين عنه . وكان كلّما فتح عينيه سأل عن مجريات اُمور ذلك الجيش .
لكنّ العجب كلّ العجب أنّ البعض امتنع عن الالتحاق بذلك الجيش اجتهادا منهم أمام النصّ الصريح من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وفضلاً عن ذلك اتّهموا الرسول الذي لم يكن يقول إلّا الحقّ ، ولا يتكلّم إلّا بالوحي ۱ ، بأنّه يهجر ؛ أي يهذي ! ! وهكذا بقيت كتابة الوصيّة بلا أثر ، ولم تُفلح آخر جهود الرسول صلى الله عليه و آله لإعداد الأرضيّة الكفيلة بتوطيد «حاكميّة الحقّ» .
ليس هناك أدنى شكّ في أنّ المراد من هذه الوصيّة هو التصريح بالقيادة ، والتأكيد عليها، وجلب الأنظار إلى ما جاء من إبلاغ الحقّ على مدى عشرين سنة، ونودي به في كلّ حدب وصوب ۲ .
ولكن يبقى ثمّة سؤال؛ وهو لماذا لم يصرّ الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة رغم اللغط الذي أثاروه في حينها ؟ ولماذا لم يبادر إلى هذا الإجراء الأساسي مسبقا وفي أيّام صحّته ؟ ولماذا لم يُقدِم على كتابة الوصيّة رغم الاقتراح الذي قدّمه البعض بالإتيان بأدوات الكتاب، مع أنّه بقي على قيد الحياة أربعة أيّام بعد طرح هذه القضيّة ؟ ولماذا لم يُقدم على هذا الإجراء ليحول دون وقوع الاُمّة في الضلال؛ وهو

1.«وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» النجم : ۳ و ۴ .

2.راجع : المراجعات : ص۳۵۴ ، وكلام مفتي الحنفيّة في صُوْر الحاج داود الددا ، في الموضع نفسه . وراجع أيضا : معالم الفتن : ج۱ ص۲۶۲ الذي أشار إلى تنبّه بعض محدّثي السنّة إلى هذه المسألة .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
650

بحث حول آخر قرارات النبيّ

اكتملت الفصول لهذا المبحث العظيم الذي حمل بين طيّاته آخر جهود رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تلك الجهود الحافلة بالآلام والمشاقّ .
ونعود هنا لإلقاء نظرة اُخرى ـ عطفا على ما سبق ذكره ـ لنفصح بإيجاز عن سرّ عدم تحقّق آخر جهوده صلى الله عليه و آله .
لقد بيّنتْ هذه الفصول بكلّ جلاء بأنّ الولاية العلويّة قد واكبت الرسالة المحمّديّة في الإبلاغ والتصريح ، وأنّ الرسول حينما كان يصدح بالرسالة ، كان يجاهر أيضا بالحديث عن ديمومة الرسالة في قالب الولاية ، ويسمّي عليا «وصيّا» و«خليفة» و«وزيرا» و«صاحبا» و«رفيقا» . وإضافة إلى كلّ ذلك فإنّه كان يتحدّث عن القيادة المستقبليّة في المناسبات المختلفة بما يتناسب والظروف السياسيّة والثقافيّة التي كانت سائدة آنذاك . وكان يصف أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه الشخص الأكثر مقدرة على قيادة الاُمّة وانتشالها من تلاطم أمواج الفتن والانحرافات . وقد أوردنا هذه الحقائق بين طيّات هذه الموسوعة استنادا إلى الكمّ الهائل من الروايات المنقولة من طريق الفريقين ، وجرى التأكيد على أنّ ذروة ذلك الإبلاغ وقعت في «حَجَّة الوداع» أو بتعبير آخر في «حَجَّة البلاغ» وفي غدير خمّ .
وهكذا فإنّ تأكيد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على كتابة الولاية من بعده في آخر ساعات

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 1
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 76350
صفحه از 664
پرینت  ارسال به