17
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2

للشّك في أنّ موقف عمر كان تحرّكا سياسيّا للتمهيد من أجل الشيء الَّذي امتنع بسببه من الذهاب مع جيش اُسامة ، مخالفا لنصّ نبوي صريح وأمر رسالي أكيد . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه يتحدّث عن نهاية حياته ، وأبلغ الجميع بذلك . وكان عمر قبل هذَا الوقت وحين منع من كتابة الوصيّة يردّد شعار «حَسبُنا كِتابُ اللّهِ» ، أي: إنّ كلمة «حسبنا . . .» تتحقّق بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ويمكن القول مبدئيّا إنّ نصّ القرآن الكريم على وفاته وعدم خلوده صلى الله عليه و آله يدلّ على أنّ نفي وفاته لم يكن عقيدةً راسخةً يتبنّاها المؤمنون قطّ ، وأوضح من ذلك كلّه كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر في الخلافة وأجلسه على عرشها ، فقد صرّح بخطأ مقاله ووهنه قائلاً: «أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قُلتُ لَكُم أمسِ مَقالةً لَم تَكُن كَما قُلتُ . وإنّي وَاللّهِ ما وَجَدتُها في كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ ولا في عَهدٍ عَهِدَهُ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولكِنّي كُنتُ أرجو أن يَعيشَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ـ فَقالَ كَلِمَةً يُريدُ ـ حَتّى يَكونَ آخِرَنا ، فَاختارَ اللّهُ لِرَسولِهِ الَّذي عِندَهُ عَلَى الَّذي عِندَكُم ، وهذَا الكِتابُ الَّذي هَدَى اللّهُ بِهِ رَسولَكُم ، فَخُذوا بِهِ تَهتَدوا لِما هَدى لَهُ رَسولَ اللّهِ» ۱ .
إنّ هذا كلّه يدلّ على أنّه كان يمهّد الأرضيّة للقبض على السّلطة ، ويهيّئ الاُمور لخلافةِ أبي بكر حتّى يتسنّى له أن يحكم بعده . وما أبلغ كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين قال له :
«اُحلُب حَلبا لَكَ شَطرُهُ» ۲ .

1 / 2

ما جَرى فِي السَّقيفَةِ

۹۲۸.تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي عَمرَة الأنصاري :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمّا قُبِض

1.الطبقات الكبرى : ج۲ ص۲۷۱ .

2.راجع : ص ۴۰ (الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول اللّه ) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
16

وصدّق بالوفاة وقال بعد سماعه الآية : «أيقَنتُ بِوَفاتِهِ ؛ وكَأَنّي لَم أسمَع هذِهِ الآيَةَ» ۱ . ويتبيّن من هذَا أنّ القائلين به غير واعين لِلُّعَب السياسيّة وتهيئة الأجواء !
وذهب البعض الآخر إلى أنّه كان يعلم جيّدا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فارق الحياة ، ولن يكون بعدها بين ظهرانَيِ المسلمين ، لكنّ التفكير بالمصلحة ، والتخطيط للمستقبل جعلاه يتّخذ هذَا الموقف ليمهّد الأرضيّة من أجل التحرّك لإزالة منافسيه السياسيّين من الساحة . وتبنّى ابنُ أبي الحديد هذَا الرأي ، وذهب إلى أنّه فعل ذلك منعا لفتنةٍ قد يثيرها الأنصار أو غيرهم حول الإمامة . كتب ابن أبي الحديد قائلاً :
«ونَحنُ نَقولُ : إنَّ عُمَرَ أجَلُّ قَدرا مِن أن يَعتَقِدَ ما ظَهَرَ عَنهُ في هذِهِ الواقِعَةِ ، ولكِنَّهُ لَمّا عَلِمَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد ماتَ ، خافَ مِن وُقوعِ فِتنَةٍ فِي الإِمامَةِ وتَقَلُّبِ أقوامٍ عَلَيها ، إمّا مِنَ الأَنصارِ أو غَيرِهِم . . . فَاقتَضَتِ المَصلَحَةُ عِندَهُ تَسكينَ النّاسِ بِأَن أظهَرَ ما أظهَرَهُ مِن كَونِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمُت ... إلى أن جاءَ أبو بَكرٍ ـ وكانَ غائِبا بِالسُّنحِ ، وهُوَ مَنزِلٌ بَعيدٌ عَنِ المَدينَةِ ـ فَلَمَّا اجتَمَعَ بِأَبي بَكرٍ قَوِيَ بِهِ جَأشُهُ ، وَاشتَدَّ بِهِ أزرُهُ ، وعَظُمَ طاعَةُ النّاسِ لَهُ ومَيلُهُم إلَيهِ ، فَسَكَتَ حينَئِذٍ عَن تِلكَ الدَّعوَى الَّتي كانَ ادَّعاها» ۲ .
نظرا إلى القرائن التاريخيّة ، ومواقف هذين الرجلين ، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبي بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط ، كلّ اولئك لا يَدَع مجالا

1.! أ ترى أن عمر كان لا يعلم حقّا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد مات ؟ ! ذهب البعض إلى ذلك وقال : كان لا يعلم حقّا . بعبارة اُخرى : كان يعتقد أنّه لا يموت ، بل هو خالد . شرح نهج البلاغة : ج۱۲ ص۱۹۵ .

2.شرح نهج البلاغة : ج۲ ص۴۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 100122
صفحه از 600
پرینت  ارسال به