19
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2

بِدونِ هذَا الأَمرِ أبَدا . فَقالَ سَعدُ بن عُبادَةَ حينَ سَمِعَها : هذا أوَّلُ الوَهنِ !
وأتى عُمَرَ الخَبَرُ ، فَأَقبَلَ إلى مَنزِلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَرسَلَ إلى أبي بَكرٍ ، وأبو بَكرٍ فِي الدّارِ وعَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام دائِبٌ في جَهازِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَرسَلَ إلى أبي بَكرٍ أنِ اخرُج إلَيَّ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ : إنّي مُشتَغِلٌ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ أنَّهُ قَد حَدَثَ أمرٌ لابُدَّ لَكَ مِن حُضورِهِ ، فَخَرَجَ إلَيهِ فَقالَ : أما عَلِمتَ أنَّ الأَنصارَ قَدِ اجتَمَعَت في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ يُريدونَ أن يُوَلّوا هذَا الأَمرَ سَعدَ بن عُبادَةَ ، وأحسَنُهُم مَقالَةً مَن يَقولُ : مِنّا أميرٌ ومِن قُرَيشٍ أميرٌ ؟
فَمَضَيا مُسرِعَينِ نَحوَهُم ، فَلَقِيا أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ ، فَتَماشَوا إلَيهِم ثَلاثَتُهُم ، فَلَقِيَهُم عاصِمُ بنُ عَدِيٍّ وعُوَيمُ بنُ ساعِدَةَ ، فَقالا لَهُم : اِرجِعوا ؛ فَإِنَّهُ لا يَكونُ ما تُريدونَ ، فَقالوا : لا نَفعَلُ . فَجاؤوا وهُم مُجتَمِعونَ .
فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : أتَيناهُم ـ وقَد كُنتُ زَوَّرتُ كَلاما أرَدتُ أن أقومَ بِهِ فيهم ـ فَلَمّا أن دَفَعتُ إلَيهِم ذَهَبتُ لاِبتَدِئَ المَنطِقَ ، فَقالَ لي أبو بَكرٍ : رُوَيدا حَتّى أتَكَلَّمَ ، ثُمَّ انطِق بَعدُ بِما أحبَبتَ . فَنَطَقَ ، فَقالَ عُمَرُ : فَما شَيءٌ كُنتُ أرَدتُ أن أقولَهُ إلّا وقَد أتى بِهِ أو زادَ عَلَيهِ .
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ : فَبَدَأَ أبو بَكرٍ فَحَمِدَ اللّهَ وأَثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدَا رَسولاً إلى خَلقِهِ ، وشَهيدا عَلى اُمَّتِهِ ؛ لِيَعبُدُوا اللّهَ ويُوَحِّدوهُ ، وَهُم يَعبُدونَ مِن دونِهِ آلِهَةً شَتّى ، ويَزعُمونَ أنَّها لَهُم عِندَهُ شافِعَةٌ ، ولَهُم نافِعَةٌ ، وإنَّما هِيَ مِن حَجَرٍ مَنحوتٍ ، وخَشَبٍ مَنجورٍ ، ثُمَّ قَرَأَ : «وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَ لَا يَنفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَـؤُلَاءِ شُفَعَـؤُنَا عِندَ اللَّهِ» 1 وقالوا : «مَا نَعْبُدُهُم

1.يونس : ۱۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
18

اجتَمَعَتِ الأَنصارُ في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ ۱ ، فَقالوا : نُوَلّي هذَا الأَمرَ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله سَعدَ بنَ عُبادَةَ ، وأخرَجوا سَعدا إلَيهِم وهُوَ مَريضٌ .
فَلَمَّا اجتَمَعوا قالَ لِابنِهِ أو بَعضِ بَني عَمِّهِ : إنّي لا أقدِرُ لِشَكوايَ أن اُسمِعَ القَومَ كُلَّهُم كَلامي ، ولكِن تَلَقَّ مِني قَولي فَأَسمِعهُموهُ . فَكانَ يَتَكَلَّمُ ويَحفَظُ الرَّجُلُ قَولَهُ ، فَيَرفَعُ صَوتَهَ فَيُسمِعُ أصحابَهُ ، فَقالَ ـ بَعدَ أن حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ـ :
يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! لَكُم سابِقَةٌ فِي الدّينِ ، وفَضيلَةٌ فِي الإِسلامِ لَيسَت لِقَبيلَةٍ مِنَ العَرَبِ ؛ إنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله لَبِثَ بِضعَ عَشَرَةَ سَنَةً في قَومِهِ يَدعوهُم إلى عِبادَةِ الرَّحمنِ وخَلعِ الأَندادِ وَالأَوثانِ ، فَما آمَنَ بِهِ مِن قَومِهِ إلّا رِجالٌ قَليلٌ ، وكانَ ما كانوا يَقدِرونَ عَلى أن يَمنَعوا رَسولَ اللّهِ ولا أن يُعِزّوا دينَهُ ، ولا أن يَدفَعوا عَن أنفُسِهِم ضَيما عُمّوا بِهِ ، حَتّى إذا أرادَ بِكُمُ الفَضيلَةَ ساقَ إلَيكُمُ الكَرامَةَ وخَصَّكُم بِالنِّعمَةِ ، فَرَزَقَكُمُ اللّهُ الإِيمانَ بِهِ وبِرَسولِهِ ، وَالمَنعَ لَهُ ولِأَصحابِهِ ، وَالإِعزازَ لَهُ وَلِدينِهِ ، وَالجِهادَ لِأَعدائِهِ ، فَكُنتُم أشَدَّ النّاسِ عَلى عَدُوِّهِ مِنكُم ، وأثقَلَهُ عَلى عَدُوِّهِ مِن غَيرِكُم ، حَتَّى استَقامَتِ العَرَبُ لِأَمرِ اللّهِ طَوعا وكَرها ، وأعطَى البَعيدُ المَقادَةَ صاغِرا داخِرا حَتّى أثخَنَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ لِرَسولِهِ بِكُمُ الأرضَ ، ودانَت بِأَسيافِكُم لَهُ العَرَبَ ، وتَوَفّاهُ اللّهُ وهُوَ عَنكُم راضٍ وبِكُم قَريرُ عَينٍ ، اِستَبِدّوا بِهذَا الأَمرِ ؛ فَإِنَّهُ لَكُم دونَ النّاسِ .
فَأَجابوهُ بِأَجمَعِهِم : أن قَد وُفِّقتَ فِي الرَّأيِ ، وأصَبتَ فِي القَولِ ، ولَن نَعدُوَ ما رَأَيتَ ، ونُوَلّيكَ هذَا الأَمرَ ؛ فَإِنَّكَ فينا مَقنَعٌ ولِصالِحِ المُؤمِنينَ رِضىً .
ثُمَّ إنَّهُم تَرادُّوا الكَلامَ بَينَهُم ، فَقالوا : فَإِن أبَت مُهاجِرَةُ قُرَيشٍ ، فَقالوا : نَحنُ المُهاجِرونَ وصَحابَةُ رَسولِ اللّهِ الأَوَّلونَ ، ونَحنُ عَشيرَتُهُ وأوِلِياؤُهُ ، فَعَلامَ تُنازِعونَنا هذَا الأَمرَ بَعدَهُ ؟ فَقالَت طائِفَةٌ مِنهُم : فَإنّا نَقولُ إذا : مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ ، ولَن نَرضى

1.سقِيفة بني ساعدة : بالمدينة ، وهي ظلّة كانوا يجلسون تحتها ، فيها بويع أبو بكر (معجم البلدان : ج۳ ص۲۲۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 109398
صفحه از 600
پرینت  ارسال به