315
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2

4 ـ الحيلة في الحرب

ذكرنا فيما سلف أنّه لا مكان للحيلة والخداع في سياسة الإمام الإداريّة . وفي هذا المعنى يكمن الفارق الأساسي والأكثر أهمّية بين المنهجين العلوي والاُموي . لكن ينبغي أنّ ننتبه إلى أن هذا النهج العامّ يسجِّل استثناءً واحداً يتمثّل بموقع الحيلة في الحرب .
ففي الوقت الَّذي يعارض الإمام بقوّة استخدام الحيلة والتوسّل بالخداع في غير الحرب ، يجيز ذلك في الحرب ، بل ويوصي به ، ويعدّ نفسه في طليعة المختصّين بهذا المبدأ في مضمار الحرب ، ويقول : «كُن فِي الحَربِ بِحيلَتِكَ أوثَقَ مِنكَ بِشدَّتِكَ» .

5 ـ أخلاق الحرب

تتمثّل واحدة من النقاط الغنيّة بالدروس في السياسة الحربيّة للنظام العلوي ، بموضوع أخلاق الحرب ، حيث يمكن إجمال اُصول الأخلاق الحربيّة من المنظار العلوي ، بالنقاط التالية :

أ : تجنّب الحرب وعدم البدء بالقتال

تأتي هذه السياسة تأكيداً على جنوح الإسلام العلوي إلى السلم ومناهضة النزعة الحربيّة . ففي جميع الحروب الَّتي اندلعت على عهد الإمام أمير المؤمنين ، كان عليه السلام ينهى جيشه عن مبادأة القوم بالقتال ، ويوصيه بعدم مباشرة القتال حَتّى يبدأ العدوّ بذلك .
عن جندب الأزدي أنّه قال : إنّ علياً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه معه عدوّاً ، فيقول : «لا تُقاتِلُوا القَومَ حَتّى يَبدَؤوكُم ؛ فَأَنتُم بِحَمدِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ عَلى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيّاهُم حَتّى يَبدَؤوكُم حُجَّةٌ اُخرى لَكُم» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
314

الأساس سعى الإمام للإفادة من أيّ طريق ممكن في تعزيز الروح المعنويّة للقوّات المسلّحة في مواجهة العدوّ .
لقد راح الإمام يبثّ روح الإيثار والتضحية في القوّات المقاتلة ويلهب فيها روح الحماس والاستعداد لاستقبال الشهادة ، من خلال الخطب الناريّة ، والشعارات المؤثِّرة ، وعبر الترغيب بالحياة ما بعد الموت ، والاستمداد من اللّه والاستعانة بالذكر والدعاء .
بيدَ أنّ ما يثير الانتباه على هذا الصعيد ، ويدخل في عداد العناصر المهمّة ، توظيف الإمام عنصر «الإيحاء والتلقين» في تقوية الجانب النفسي للمجاهدين ؛ فمن خلال تربية ابنه محمّد عبر هذا البعد ، يصف الإمام تجربته الشخصيّة لولده ، بقوله : «إنَّني لَم ألقَ أحَداً إلّا حَدَّثَتني نَفسي بِقَتلِهِ ، فَحَدِّث نَفسَكَ ـ بِعَون اللّهِ ـ بِظُهورِكَ عَلَيهِم» .
وبالعكس ، تُعدّ عمليّة تلقين النفس بالضعف والإيحاء لها بالخوف واحدة من موجبات الهزيمة أمام العدوّ ، وفي هذا المضمار يقول الإمام في جواب مَن سأله : بِأَيِّ شَيءٍ غَلَبتَ الأَقرانَ ؟ : «ما لَقيتُ رَجُلاً إلّا أعانَني عَلى نَفسِهِ» ۱ .
لقد تمثّلت واحدة أخرى من وسائل تعزيز الحالة النفسيّة للمجاهدين في نطاق النهج الحربي للنظام العلوي ، بتحذير هؤلاء من العواقب الدنيويّة والاُخرويّة الخطيرة الَّتي قد تترتّب على إدبارهم عن العدوّ ، وفرارهم من الجبهات .
من النقاط الاُخر الَّتي تبرز في هذا المضمار تأكيد الإمام على كتمان الاُمور الَّتي يُفضي فشوها إلى تضعيف روح المقاومة .

1.نهج البلاغة : الحكمة ۳۱۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 2
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 91510
صفحه از 600
پرینت  ارسال به