107
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

وكانَ مُحِبّا لِقَومِهِ ، فَمالَ بَعضَ المَيلِ ، فَاستَتَبناهُ فَتابَ ثُمَّ قُتِلَ ، فَيَحِقُّ لِلمُسلِمينَ أن يَطلُبوا بِدَمِهِ .
فَقالَ لَها عَبدُ اللّهِ : فَإِذا كانَ هذا قُولَكِ في عَلِيٍّ يا اُمَّه ، ورَأيَكِ في قاتِلي عُثمانَ ، فَمَا الَّذي يُقعِدُكِ عَنِ المُساعَدَةِ عَلى جِهادِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وقَد حَضَرَكِ مِنَ المُسلِمينَ مَن فيهِ غِنىً وكِفايَةٌ فيما تُريدينَ ؟
فَقالَت : يا بُنَيَّ اُفَكِّرُ فيما قُلتَ وتَعودُ إلَيَّ .
فَرَجَعَ عَبدُ اللّهِ إَلى طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ بِالخَبَرِ ، فَقالا لَهُ : قَد أجابَت اُمُّنا ـ وَالحَمدُ للّهِِ ـ إلى ما نُريدُ ، ثُمَّ قالا لَهُ : باكِرها فِي الغَدِ ، فَذَكِّرها أمرَ المُسلِمينَ ، وأَعلِمها أنّا قاصِدانِ إلَيها لِنُجَدِّدَ بِها عَهدا ، ونُحكِمُ مَعَها عَقدا ، فَباكَرَها عَبدُ اللّهِ ، وأَعادَ عَلَيها بَعضَ ما أسلَفَهُ مِنَ القَولِ إلَيها ، فَأَجابَت إلَى الخُروجِ ونادى مُناديها : إنَّ اُمُّ المُؤمِنينَ تُريدُ أن تَخرُجَ تَطلُبَ بِدَمِ عُثمانَ ، فَمَن كانَ يُريدُ أن يَخرُجَ فَليَتَهَيَّأ لِلخُروجِ مَعَها .
وصارَ إلَيها طَلحَةُ ، فَلَمّا بَصُرَت بِهِ قالَت لَهُ : يا أبا مُحَمَّدٍ قَتَلتَ عُثمانَ وبايَعتَ عَلِيّا ؟ فَقالَ لَها : يا اُمَّه ، ما مَثَلي إلّا كَما قالَ الأَوَّلُ :

نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ۱لَمّا
رَأَت عَيناهُ ما صَنَعَت يَداهُ

و جاءَهَا الزُّبَيرُ فَسَلَّمَ عَلَيها ، فَقالَت لَهُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ! شَرِكتَ في دَمِ عُثمانَ ، ثُمَّ بايَعتَ عَلِيّا ، وأَنتَ وَاللّهِ أحَقُّ مِنهُ بِالأَمرِ ؟
فَقالَ لَهَا الزُّبَيرُ : أمّا ما صَنَعتُ مَعَ عُثمانَ فَقَد نَدِمتُ مِنهُ وهَرَبتُ إلى رَبّي مِن ذَنبي في ذلِكَ ، ولَن أترُكَ الطَّلَبَ بِدَمِ عُثمانَ . وَاللّهِ ما بايَعتُ عَلِيّا إلّا مُكرَها ، اِلتَفَّ بِه

1.الكُسَعي : يُضرب به المثل في الندامة ، وهو رجل رامٍ رمى بعد ما أسدف الليلُ عَيْرا ، فأصابه وظنّ أنّه أخطأه ، فكسر قوسه ، وقيل : وقطع إصبَعَهُ ثمّ نَدِم من الغد حين نظر إلى العَيْر مقتولاً وسهمه فيه (لسان العرب : ج۸ ص۳۱۱) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
106

بِها وَالتَّعاضُدِ عَلى شِقاقِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَاستَأذَناهُ فِي العُمرَةِ . . . وسارا إلى مَكَّةَ خالِعَينِ الطّاعَةَ ، ومُفارِقَينِ الجَماعَةَ .
فَلَمّا وَرَدا إلَيها فيمَن تَبِعَهُما مِن أولادِهِما وخاصَّتِهِما وخالِصَتِهِما طافا بِالبَيتِ طَوافَ العُمرَةِ ، وسَعَيا بَينَ الصَّفا والمَروَةِ ، وبَعَثا إلى عائِشَةَ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ وقالا لَهُ : اِمضِ إلى خالَتِكَ ، فَأَهدِ إلَيهَا السَّلامَ مِنّا وقُل لَها : إنَّ طَلحَةَ والزُّبَيرَ يُقرِئانِكِ السَّلامَ ويَقولانِ لَكِ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عُثمانَ قُتِلَ مَظلوما ، وإِنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ابتَزَّ النّاسَ أمرَهُم ، وغَلَبَهُم عَلَيهِ بِالسُّفَهاءِ الَّذينَ تَوَلَّوا قَتلَ عُثمانَ ، ونَحنُ نَخافُ انتِشارَ الأَمرِ بِهِ ؛ فَإِن رَأَيتِ أن تَسيري مَعَنا لَعَلَّ اللّهَ يَرتُقُ بِكِ فَتقَ هذِهِ الاُمَّةِ ، و يَشعَبُ بِكِ صَدعَهُم ، وَيلُمُّ بِكِ شَعَثَهُم ۱ ، ويُصلِحُ بِكِ اُمورَهُم .
فَأَتاها عَبدُ اللّهِ ، فَبَلَّغَها ما أرسَلاهُ بِهِ ، فَأَظهَرَتِ الاِمتِناعَ مِن إجابَتِهِما إلَى الخُروجِ عَن مَكَّةَ ، وقالَت : يا بُنَيَّ ، لَم آمُر بِالخُروجِ ، لكِنّي رَجَعتُ إلى مَكَّةَ لِاُعلِمَ النّاسَ ما فُعِلَ بِعُثمانَ إمامِهِم ، وأَنَّهُ أعطاهُمُ التَّوبَةَ ، فَقَتَلوهُ تَقِيّا نَقِيّا بَرِيّا ، ويَرَونَ في ذلِكَ رَأيَهُم ، ويُشيرونَ إلى مَنِ ابتَزَّهُم أمرَهُم وغَصَبَهُم مِن غَيرِ مَشورَةٍ مِنَ المُسلِمينَ ولا مُؤامَرَةٍ ، بِتَكَبُّرٍ وتَجَبُّرٍ ، ويَظُنُّ أنَّ النّاسَ يَرَونَ لَهُ حَقّا كَما كانوا يَرَونَهُ لِغَيرِهِ .
هَيهاتَ هَيهاتَ ! يَظُنُّ ابنُ أبي طالِبٍ يَكونُ في هذَا الأَمرِ كَابنِ أبي قُحافَةَ ، لا وَاللّهِ ، ومَن فِي النّاسِ مِثلُ ابنِ أبي قُحافَةَ ؟ تَخضَعُ إلَيهِ الرِّقابُ ، ويُلقى إلَيهِ المَقادُ ، ولِيَها وَاللّهِ ابنُ أبي قُحافَةَ فَخَرَجَ مِنها كَما دَخَلَ ، ثُمَّ وَلِيَها أخو بَني عَدِيٍّ ، فَسَلَكَ طَريقَهُ ، ثُمَّ مَضَيا فَوَلِيَهَا ابنُ عَفّانٍ ؛ فَرَكِبَها رَجُلٌ لَهُ سابِقَةٌ ومُصاهَرَةٌ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأَفعالٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مَذكورَةٌ ، لا يَعمَلُ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ مِثلَ ما عَمِلَهُ في ذاتِ اللّهِ ،

1.الرَّتْق : إلحام الفَتْق وإصلاحه . وشَعْبُ الصدعِ في الإناء : إصلاحه ومُلاءمته . ويَلمُّ بك شعثهم أي : يجمع ما تفرّق منه (اُنظر لسان العرب : ج۱۰ ص۱۱۴ و ج۱ ص۴۹۸ و ج۲ ص۱۶۱) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101092
صفحه از 670
پرینت  ارسال به