فَأَعرَضَ عَنهُ إشفاقا عَلَيهِ، ونادى ثانِيَةً : مَن يَأخُذُ هذَا المُصحَفَ ويَعرِضُهُ عَلَى القَومِ وَليَعلَم أنَّهُ مَقتولٌ ولَهُ الجَنَّةُ ؟
فَقامَ مُسلِمٌ بِعَينِهِ وقالَ : أنَا أعرِضُهُ . فَأَعرَضَ ، ونادى ثالِثَةً فَلَم يَقُم غَيرُ الفَتى ، فَدَفَعَ إلَيهِ المُصحَفَ .
وقالَ : اِمضِ إلَيهِم وَاعرِضهُ عَلَيهِم وَادعُهُم إلى ما فيهِ .
فَأَقبَلَ الغُلامُ حَتّى وَقَفَ بِإِزاءِ الصُّفوفِ ونَشَرَ المُصحَفَ ، وقالَ : هذا كِتابُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَدعوكُم إلى ما فيهِ .
فَقالَت عائِشَةُ : اُشجُروهُ بِالرِّماحِ قَبَّحَهُ اللّهُ ! فَتَبادَروا إلَيهِ بِالرِّماحِ فَطَعَنوهُ مِن كُلِّ جانِبٍ ، وكانَت اُمُّهُ حاضِرَةً فَصاحت وطَرَحَت نَفسَها عَلَيهِ وجَرَّتهُ مِن مَوضِعِهِ ، ولَحِقَها جَماعَةٌ مِن عَسكَرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أعانوها عَلى حَملِهِ حَتّى طَرَحوهُ بَينَ يَدي أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام واُمُّهُ تَبكي وتَندُبُهُ وتَقولُ :
يا رَبِّ إنَّ مُسلِما دَعاهُم
يَتلو كِتابَ اللّهِ لا يَخشاهُم
فَخَضَّبوا مِن دَمِه قَناهُم
واُمُّهُم قائِمَةٌ تَراهُم
تَأمُرُهُم بِالقَتلِ لا تَنهاهُم۱
۲۲۱۴.المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي :لَمّا تَقابَلَ العَسكَرانِ : عَسكَرُ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام وعَسكَرُ أصحابِ الجَمَلِ ، جَعَلَ أهلُ البَصرَةِ يَرمونَ أصحابَ عَلِيٍّ بِالنَّبلِ حَتّى عَقَروا مِنهُم جَماعَةً ، فَقالَ النّاسُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ قَد عَقَرَنا نَبلُهُم فَمَا انتِظارُكَ بِالقَومِ ؟
فَقالَ عَلِيٌّ : اللّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ أنّي قَد أعذَرتُ وأنذَرتُ ، فَكُن لي عَلَيهِم