323
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

شعبة، فإنّهما ما توهّماه وما غلب على ظنونها وخطر بقلوبهما .
و عليّ عليه السلام كان أعلم بحاله مع معاوية ، وأنّها لا تقبل العلاج والتدبير ، وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان في نفسه من عليّ عليه السلام من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان أنّه يقبل إقرار عليّ عليه السلام له على الشام ، وينخدع بذلك ، ويبايع ويعطي صفقة يمينه ! إنّ معاوية لأدهى من أن يُكاد بذلك ، وإنّ عليّاً عليه السلام لأعرف بمعاوية ممّن ظنّ أنّه لو استماله بإقراره لبايع له . ولم يكن عند عليّ عليه السلام دواء لهذا المرض إلّا السيف ؛ لأنّ الحال إليه كانت تؤول لا محالة ، فجعل الآخر أوّلاً ۱ .

2 ـ إبقاء معاوية كان يزعزع الحكومة المركزيّة

لم يكن إبقاء معاوية على ولاية الشام يقوّي ركائز حكومة الإمام ، بل إنّه كان يؤدي الى زعزعتها منذ البداية . وقد جاء تحليل ابن سنان في هذا المضمار على النحو التالي :
إنّا قد علمنا أنّ أحد الأحداث التي نقمت على عثمان وأفضت بالمسلمين إلى حصاره وقتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه ، ومخالفة أحكام الدين في سلطانه ، وقد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر بأنّ عمر ولّاه قبله ، فلم يقبل المسلمون عذره ، ولا قنعوا منه إلّا بعزله ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى .
وكان عليّ عليه السلام من أكثر المسلمين لذلك كراهية ، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين ، فلو أنّه عليه السلام افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه ، أ ليس كان

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۳۳ . قال ابن أبي الحديد في سياق كلامه : وأنا أذكر في هذا الموضع خبراً رواه الزبير بن بكّار في الموفّقيّات ؛ ليعلم من يقف عليه أنّ معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة عليّ عليه السلام أبداً ، ولا يعطيه البيعة ، وأنّ مضادّته له ومباينته إيّاه كمضادّة السواد للبياض لا يجتمعان أبداً ، وكمباينة السلب للإيجاب ؛ فإنّها مباينة لا يمكن زوالها أصلاً .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
322

أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويبايعه معاوية وأهل الشام ثمّ يعزله بعد ذلك ، لكان قد كُفي ما جرى بينهما من الحرب .
والجواب : إنّ قرائن الأحوال حينئذٍ قد كان علم أمير المؤمنين عليه السلام منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه على ولاية الشام ، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية وآكد في الامتناع من البيعة ؛ لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول : كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معا ، أو يتقدّم منه عليه السلام المطالبة بالبيعة ، أو يتقدّم منه اقراره على الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثانٍ .
فإن كان الأوّل فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكّد حاله عندهم ، ويقرّر في أنفسهم : لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده عليّ عليه السلام معه ، ثمّ يماطله بالبيعة ويحاجزه عنها .
وإن كان الثاني فهو الذي فعله أمير المؤمنين عليه السلام .
وإن كان الثالث فهو كالقسم الأوّل ، بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف والعصيان .
وكيف يتوهّم من يعرف السير أنّ معاوية كان يبايع له لو أقرّه على الشام وبينه وبينه ما لا تبرك الابل عليه من التِّرات القديمة والأحقاد ، وهو الذي قتل حنظلة أخاه ، والوليد خاله ، وعتبة جدّه ، في مقام واحد ! ! ثمّ ما جرى بينهما في أيّام عثمان حتى أغلظ كلّ واحد منهما لصاحبه ، وحتى تهدّده معاوية وقال له : إنّي شاخص إلى الشام وتارك عندك هذا الشيخ ـ يعني عثمان ـ واللّه لئن انحصّت منه شعرة واحدة لأضربنّك بمائة ألف سيف ! ! . . .
و أمّا قول ابن عبّاس له عليه السلام : ولِّه شهرا واعزله دهرا ، وما أشار به المغيرة بن

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 99698
صفحه از 670
پرینت  ارسال به