قَد بَلَّغَ الشَّرعَ ومَحَقَ الشِّركَ وأخمَدَ نارَ الإِفكِ ، فَأَحسَنَ اللّهُ جَزاءَهُ وضاعَفَ عَلَيهِ نِعَمَهُ وآلاءَهُ ، ثُمَّ إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ اختَصَّ مُحَمَّدا عليه السلام بِأَصحابٍ أيَّدوهُ وآزَروهُ ونَصَروهُ ، وكانوا كَما قالَ اللّهُ سُبحانَهُ لَهُم : «أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ»۱ فَكانَ أفضَلَهُم مَرتَبَةً وأعلاهُم عِندَ اللّهِ وَالمُسلِمينَ مَنزِلَةً الخَليفَةُ الأَوَّلُ ، الَّذي جَمَعَ الكَلِمَةَ ولَمَّ الدَّعوَةَ وقاتَلَ أهلَ الرِّدَّةِ ، ثُمَّ الخَليفَةُ الثّاني الَّذي فَتَحَ الفُتوحَ ومَصَّرَ الأَمصارَ وأذَلَّ رِقابَ المُشرِكينَ ، ثُمَّ الخَليفَةُ الثّالِثُ المَظلومُ الَّذي نَشَرَ المِلَّةِ وطَبَّقَ الآفاقَ بِالكَلِمَةِ الحَنيفِيَّةِ .
فَلَمَّا استَوثَقَ الإِسلامُ وضَرَبَ بِجِرانِهِ ۲ عَدَوتَ عَلَيهِ فَبَغَيتَهُ الغَوائِلَ ونَصَبتَ لَهُ المَكايِدَ ، وضَرَبتَ لَهُ بَطنَ الأَمرِ وظَهرَهُ ودَسَستَ عَلَيهِ وأغرَيتَ بِهِ ، وقَعَدتَ حَيثُ استَنصَرَكَ عَن نَصرِهِ وسَأَلَكَ أن تُدرِكَهُ قَبلَ أن يُمَزَّقَ فَما أدرَكتَهُ ، وما يَومُ المُسلِمينَ مِنكَ بِواحِدٍ .
لَقَد حَسَدتَ أبا بَكرٍ وَالتَوَيتَ عَلَيهِ ورُمتَ إفسادَ أمرِهِ ، وقَعَدتَ في بَيتِكَ ، وَاستَغوَيتَ عِصابَةً مِنَ النّاسِ حَتّى تَأَخَّروا عَن بَيعَتِهِ ، ثُمَّ كَرِهتَ خِلافَةَ عُمَرَ وحَسَدتَهُ وَاستَطَلتَ مُدَّتَهُ ، وسُرِرتَ بِقَتلِهِ وأظهَرتَ الشَّماتَةَ بِمُصابِهِ حَتّى إنَّكَ حاوَلتَ قَتلَ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ قاتِلَ أبيهِ ، ثُمَّ لَم تَكُن أشَدَّ مِنكَ حَسَدا لِابنِ عَمِّكَ عُثمانَ نَشَرتَ مَقابِحَهُ وطَوَيتَ مَحاسِنَهُ ، وطَعَنتَ في فِقهِهِ ثُمَّ في دينِهِ ثُمَّ في سيرَتِهِ ثُمَّ في عَقلِهِ ، وأغرَيتَ بِهِ السُّفَهاءَ مِن أصحابِكَ وشيعَتِكَ حَتّى قَتَلوهُ بِمَحضَرٍ مِنكَ لا تَدفَعُ عَنهُ بِلِسانٍ ولا يَدٍ ، وما مِن هؤُلاءِ إلّا مَن بَغَيتَ عَلَيهِ وتَلَكَّأتَ في بَيعَتِهِ حَتّى حُمِلتَ إلَيهِ قَهراً تُساقُ بِخَزائِمِ ۳ الاِقتِسارِ كَما يُساقُ الفَحلُ المَخشوشُ ، ثُمَّ نَهَضت