369
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

عَلى أهلِ طاعَةِ اللّهِ مِمَّن هُوَ مُسلِمٌ لِأَهلِ وِلايَةِ اللّهِ .
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ بِجَلالِهِ وعَظَمَتِهِ وسُلطانِهِ وقُدرَتِهِ خَلَقَ خَلقا بِلا عَنَتٍ ۱ ولا ضَعفٍ في قُوَّتِهِ ، ولا حاجَةٍ بِهِ إلى خَلقِهِم ، ولكِنَّهُ خَلَقَهُم عَبيدا ، وجَعَلَ مِنهُم شَقِيّا وسَعيدا ، وغَوِيّا ورَشيدا ، ثُمَّ اختارَهُم عَلى عِلمِهِ ، فَاصطَفى وَانتَخَبَ مِنهُم مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ؛ فَاختَصَّهُ بِرِسالَتِهِ ، وَاختارَهُ لِوَحيِهِ ، وَائتَمَنَهُ عَلى أمرِهِ ، وبَعَثَهُ رَسولاً مُصَدِّقا لِما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكُتُبِ ، ودَليلاً عَلَى الشَّرائِعِ ، فَدَعا إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ؛ فَكانَ أوَّلَ مَن أجابَ وأنابَ ، وصَدَّقَ ووافَقَ ، وأسلَمَ وسَلَّمَ أخوهُ وَابنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَصَدَّقَهُ بِالغَيبِ المَكتومِ ، وآثَرَهُ عَلى كُلِّ حَميمٍ ، فَوَقاهُ كُلَّ هَولٍ ، وواساهُ بِنَفسِهِ في كُلِّ خَوفٍ ، فَحارَبَ حَربَهُ ، وسالَمَ سَلمَهُ ، فَلَم يَبرَح مُبتَذِلاً لِنَفسِهِ في ساعاتِ الأَزلِ ۲ ومَقاماتِ الرَّوعِ ، حَتّى بَرَّزَ سابِقا لا نَظيرَ لَهُ في جِهادِهِ ، ولا مُقارِبَ لَهُ في فِعلِهِ .
و قَد رَأَيتُكَ تُساميهِ وأنتَ أنتَ ! ! وهُوَ هُوَ المُبَرِّزُ السّابِقُ في كُلِّ خَيرٍ ، أوَّلُ النّاسِ إسلاما ، وأصدَقُ النّاسِ نِيَّةً ، وأطيَبُ النّاسِ ذُرِّيَّةً ، وأفضَلُ النّاسِ زَوجَةً ، وخَيرُ النّاسِ ابنَ عَمٍّ . وأنتَ اللَّعينُ ابنُ اللَّعينِ .
ثُمَّ لَم تَزَل أنتَ وأبوكَ تَبغِيانِ الغَوائِلَ لِدينِ اللّهِ ، وتَجهَدانِ عَلى إطفاءِ نورِ اللّهِ ، وتَجمَعانِ عَلى ذلِكَ الجُموعَ ، وتَبذُلانِ فيهِ المالَ ، وتُحالِفانِ ۳ فيهِ القَبائِلَ ؛ عَلى ذلِكَ ماتَ أبوكَ ، وعَلى ذلِكَ خَلَفتَهُ .
وَالشّاهِدُ عَلَيكَ بِذلِكَ مَن يَأوي ويَلجَأُ إلَيكَ مِن بَقِيَّةِ الأَحزابِ ، ورُؤوسِ النِّفاقِ وَالشِّقاقِ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .

1.العَنَت : المشقّة (النهاية : ج۳ ص۳۰۶) .

2.الأزْل : الشِّدّة والضيق (النهاية : ج۱ ص۴۶) .

3.في المصدر : «تخالفان» ، والصواب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى ؛ وفي الاختصاص : «تُؤَلِّبانِ عليه القبائل» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
368

سيكون لو أهمل كلام معاوية وبرامجه على هذا الصعيد ولم يرد عليها ؟ هل كان معاوية يختار الصمت مثلاً ويكفّ عن حربه الدعائية الشعواء ضدَّ الإمام ؟
لا ريب أنّ سياسة السكوت في مقابل الأمواج الدعائيّة العاتية التي يبثّها معاوية كانت ستنتهي بضرر الإمام . فسكوت الإمام كان معناه تأييداً منه لكلّ تهم معاوية .
إنّه من السذاجة بمكان أن نتصوّر بأنّ الإمام لو لم يفتح باب المكاتبة مع معاوية ، لما كان معاوية قد شرع بحربه الدعائيّة ضدّ الإمام أو أنّه كان ينثني عن إدامتها ، بل الذي لا نشكّ فيه أنّ سكوت الإمام ـ لو حصل ـ كان يستتبع تصعيد وتيرة هذه الحرب وتأجيج نيرانها أكثر .
إنّ كتب الإمام وأجوبته لم تعمل على تعطيل الفعل الدعائي الماكر لمعاوية وحسب ، بل تحوّلت إلى وثيقة في التأريخ تثبت أحقّية الإمام . فإضافةً إلى ما بادر إليه الإمام من تنوير العقول وتبصير الناس وتوعيتها عبر هذه الرسائل ، فقد عمد فيها للدفاع عن نفسه على أحسن وجه ۱ ، وأتمّ الحجّة على معاوية والمخدوعين من أتباعه . كما ترك للتأريخ ولمن يأتي بعده وثيقة حوت ما جرى بينه وبين معاوية . لقد التزم الإمام جانب الحذر بعمله بحيث لم يدع معاوية يحقّق أيّاً من الأهداف التي كان يصبو إليها من حربه الدعائيّة كما يريد .

4 / 17

كِتابُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ إلى مُعاوِيَةَ

۲۴۰۳.وقعة صفّين عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر :كَتَبَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ إلى مُعاوِيَةَ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ إلَى الغاوِي ابنِ صَخرٍ . سَلام

1.لقد دار كثير من كلام الإمام في الحرب الدعائيّة هذه حول إثبات فضائله .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 100970
صفحه از 670
پرینت  ارسال به