إنَّ صاحِبَنا مَن قَد عَرَفتَ وعَرَفَ المُسلِمونَ فَضلَهُ ، ولا أظُنُّهُ يَخفى عَلَيكَ ، إنَّ أهلَ الدّينِ وَالفَضلِ لَن يَعدِلوا بِعَلِيٍّ ، ولَن يُمَيِّلوا بَينَكَ وبَينَهُ ، فَاتَّقِ اللّهَ يا مُعاوِيَةُ ولا تُخالِف عَلِيّا ، فَإِنّا وَاللّهِ ما رَأَينا رَجُلاً قَطُّ أعمَلَ بِالتَّقوى ولا أزهَدَ فِي الدُّنيا ولا أجمَعَ لِخِصالِ الخَيرِ كُلِّها مِنهُ .
فَحَمِدَ اللّهَ مُعاوِيَةُ وأثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم دَعوتُم إلَى الطّاعَةِ وَالجَماعَةِ ، فَأَمَّا الجَماعَةُ الَّتي دَعَوتُم إلَيها فَمَعَنا هِيَ . وأمَّا الطّاعَةُ لِصاحِبِكُم فَإِنّا لا نَراها ، إنَّ صاحِبَكُم قَتَلَ خَليفَتَنا وفَرَّقَ جَماعَتَنا وآوى ثَأرَنا وقَتَلَتَنا ، وصاحِبَكُم يَزعُمُ أنَّهُ لَم يَقتُلهُ فَنَحنُ لا نَرُدُّ ذلِكَ عَلَيهِ ، أرَأَيتُم قَتَلَةَ صاحِبِنا ؟أ لَستُم تَعلَمونَ أنَّهُم أصحابُ صاحِبِكُم ؟ فَليَدفَعهُم إلَينا فَلنَقتُلهُم بِهِ ، ثُمَّ نَحنُ نُجيبُكُم إلَى الطّاعَةِ وَالجَماعَةِ .
فَقالَ لَهُ شَبَثٌ : أ يَسُرُّكَ يا مُعاوِيَةُ أنَّكَ اُمِكنتَ مِن عَمّارٍ تَقتُلُهُ ؟
فَقالَ مُعاوِيَةُ : وما يَمنَعُني مِن ذلِكَ ؟ ! وَاللّهِ لَو اُمكِنتُ مِنِ ابنِ سُمَيَّةَ ما قَتَلتُهُ بِعُثمانَ ولكِن كُنتُ قاتِلَهُ بِناتِلٍ مَولى عُثمانَ .
فَقالَ لَهُ شَبَثٌ : وإلهِ الأَرضِ وإلهِ السَّماءِ ما عَدَلتَ مُعتَدِلاً ، لا وَالَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ لا تَصِلُ إلى عَمّارٍ حَتّى تُندَرَ الهامُ عَن كَواهِِل الأَقوامِ ، وتَضيقَ الأَرضُ الفَضاءُ عَلَيكَ بِرُحبِها .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : إنَّهُ لَو قَد كانَ ذلِكَ كانَتِ الأَرضُ عَلَيكَ أضيَقَ .
وتَفَرَّقَ القَومُ عَن مُعاوِيَةَ ، فَلَمَّا انصَرَفوا بَعَثَ مُعاوِيَةَ إلى زِيادِ بنِ خَصَفَةَ التَّيمِيِّ فَخَلا بِهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وقالَ : أمّا بَعدُ يا أخا رَبيعَةَ فَإِنَّ عَلِيّا قَطَعَ أرحامَنا وآوى قَتَلَةَ صاحِبِنا ، وإنّي أسأَلُكَ النَّصرَ عَلَيهِ بِاُسرَتِكَ وعَشيرَتِكَ ، ثُمَّ لَكَ عَهدُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وميثاقُهُ أن أوَلِّيَكَ إذا ظَهَرتُ أيَّ المِصرَينِ أحبَبتَ .