537
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

حَسَنَتَكَ عَشرا ، وفَتَحَ لَكَ بابَ المَتابِ . فَإِذا نادَيتَهُ سَمِعَ نِداءَكَ ، وإذا ناجَيتَهُ عَلِمَ نَجواكَ ، فَأَفضَيتَ إلَيهِ بِحاجَتِكَ ، وأبثَثتَهُ ذاتَ نَفسِكَ ، وشَكَوتَ إلَيهِ هُمومَكَ ، وَاستَكشَفتَهُ كُروبَكَ ، وَاستَعَنتَهُ عَلى اُمورِكَ ، وسَأَلتَهُ مِن خَزائِنِ رَحمَتِهِ ما لا يَقدِرُ عَلى إعطائِهِ غَيرُهُ مِن زِيادَةِ الأَعمارِ وصِحَّةِ الأَبدانِ وسَعَةِ الأَرزاقِ . ثُمَّ جَعَلَ في يَدَيكَ مَفاتيحَ خَزائِنِهِ بِما أذِنَ لَكَ مِن مَسأَلَتِهِ ، فَمَتى شِئتَ استَفتَحتَ بِالدُّعاءِ أبوابَ نِعمَتِهِ ، وَاستَمطَرتَ شَآبيبَ ۱ رَحمَتِهِ . فَلا يُقَنِّطَنَّكَ إبطاءُ إجابَتِهِ ، فَإِنَّ العَطِيَّةَ عَلى قَدرِ النِّيَّةِ . ورُبَّما اُخِّرَت عَنكَ الإِجابَةُ لِيَكونَ ذلِكَ أعظَمَ لِأَجرِ السّائِلِ وأجزَلَ لِعَطاءِ الآمِلِ . ورُبَّما سَأَلتَ الشَّيءَ فَلا تُؤتاهُ واُوتيتَ خَيرا مِنهُ عاجِلاً أو آجِلاً ، أو صُرِفُ عَنكَ لِما هُوَ خَيرٌ لَكَ . فَلَرُبَّ أمرٍ قَد طَلَبتَهُ فيهِ هَلاكُ دينِكَ لَو اُوتيتَهُ . فَلتَكُن مَسأَلَتُكَ فيما يَبقى لَكَ جَمالُهُ ويُنفى عَنكَ وَبالُهُ ، فَالمالُ لا يَبقى لَكَ ولا تَبقى لَهُ .
وَاعلَم أنَّكَ إنَّما خُلِقتَ لِلآخِرَةِ لا لِلدُّنيا ، ولِلفَناءِ لا لِلبَقاءِ ، ولِلمَوتِ لا لِلحَياةِ ، وأنَّكَ في مَنزِلِ قُلعَةٍ ۲ ودارِ بُلغَةٍ ۳ وطِريقٍ إلَى الآخِرَةِ ، وأنَّكَ طَريدُ المَوتِ الَّذي لا يَنجو مِنهُ هارِبُهُ ، ولابُدَّ أنَّهُ مُدرِكُهُ ، فَكُن مِنهُ عَلى حَذَرٍ أن يُدرِكَكَ وأنتَ عَلى حالٍ سَيِّئَةٍ ، قَد كُنتَ تُحَدِّثُ نَفَسَك مِنها بِالتَّوبَةِ فَيَحولَ بَينَكَ وبَينَ ذلِكَ ، فَإِذا أنتَ قَد أهلَكتَ نَفسَكَ .
يا بُنَيَّ ، أكثِر مِن ذِكرِ المَوتِ ، وذِكرِ ما تَهجُمُ عَلَيهِ ، وتُفضي بَعدَ المَوتِ إلَيهِ ، حَتّى يَأتِيَكَ وقَد أخَذتَ مِنهُ حِذرَكَ ، وشَدَدتُ لَهُ أزرَكَ ، ولا يَأتِيَكَ بَغتَةً فَيَبهَرَكَ . وإيّاكَ أن تَغتَرَّ بِما تَرى مِن إخلادِ أهلِ الدُّنيا إلَيها ، وتَكالُبِهِم عَلَيها ، فَقَد نَبَّأَكَ اللّهُ عَنها ، ونَعَت لَكَ نَفسَها ، وتَكَشَّفَت لَكَ عَن مَساويها ، فَإِنَّما أهلُها كِلابٌ عاوِيَةٌ ،

1.شآبيب : جمع شُؤبُوبٍ ، وهو الدُّفْعةُ من المطَر وغيره (النهاية : ج۲ ص۴۳۶) .

2.قُلعة : أي تَحَوُّل وارتحال (النهاية : ج۴ ص۱۰۲) .

3.بُلْغةٌ : كِفايةٌ (لسان العرب : ج۸ ص۴۱۹) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
536

لَهُم مِن نَفسِكَ ، ولا تَقُل ما لا تَعلَمُ وإن قَلَّ ما تَعلَمُ ، ولا تَقُل ما لا تُحِبُّ أن يُقالَ لَكَ .
وَاعلَم أنَّ الإِعجابَ ضِدُّ الصَّوابِ ، وآفَةُ الأَلبابِ . فَاسعَ في كَدحِكَ ، ولا تَكُن خازِنا لِغَيرِكَ . وإذا أنتَ هُديتَ لِقَصدِكَ فَكُن أخشَعَ ما تَكونُ لِرَبِّكَ .
وَاعلَم أنَّ أمامَكَ طَريقا ذا مَسافَةٍ بَعيدَةٍ ومَشَقَّةٍ شَديدَةٍ ، وأنَّهُ لا غِنى لَكَ فيهِ عَن حُسنِ الاِرتيادِ وقَدرِ ۱ بَلاغِكَ مِنَ الزّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهرِ ، فَلا تَحمِلَنَّ عَلى ظَهرِكَ فَوقَ طاقَتِكَ ، فَيَكونَ ثِقلُ ذلِكَ وَبالاً عَلَيكَ . وإذا وَجَدتَ مِن أهلِ الفاقَةِ مَن يَحمِلُ لَكَ زادَكَ إلى يَومِ القِيامَةِ فَيُوافيكَ بِهِ غَدا حَيثُ تَحتاجُ إلَيهِ فَاغتَنِمهُ وحَمِّلهُ إيّاهُ ، وأكثِر مِن تَزويدِهِ وأنتَ قادِرٌ عَلَيهِ ، فَلَعَلَّكَ تَطلُبُهُ فَلا تَجِدُهُ . وَاغتَنِم مَنِ استَقرَضَكَ في حالِ غِناكَ ؛ لِيَجعَلَ قَضاءَهُ لَكَ في يَومِ عُسرَتِكَ .
وَاعلَم أنَّ أمامَكَ عَقَبَةً كَؤودا ۲ ، المُخِفُّ فيها أحسَنُ حالاً مِنَ المُثقِلِ ، وَالمُبطِئُ عَلَيها أقبَحُ حالاً مِنَ المُسرِعِ ، وأنَّ مَهبِطَكَ بِها لا مَحالَةَ عَلى جَنَّةٍ أو عَلى نارٍ . فَارتَد لِنَفسِكَ قَبلَ نُزُلِكَ ووَطِّي المَنزِلَ قَبلَ حُلولِكَ ، فَلَيس بَعدَ المَوتِ مُستَعتَبٌ ، ولا إلَى الدُّنيا مُنصَرَفٌ .
وَاعلَم أنَّ الَّذي بِيَدِهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرضِ قَد أذِنَ لَكَ فِي الدُّعاءِ وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجابَةِ ، وأمَرَكَ أن تَسأَلَهُ لِيُعطِيَكَ وتَستَرحِمُهُ لِيَرحَمَكَ ، ولَم يَجعَل بَينَكَ وبَينَهُ مَن يَحجُبُهُ عَنكَ ، ولَم يُلجِئكَ إلى مَن يَشفَعُ لَكَ إلَيهِ ، ولَم يَمنَعكَ إن أسَأتَ مِنَ التَّوبَةِ ، ولَم يُعاجِلكَ بِالنِّقمَةِ ، ولَم يُعَيِّركَ بِالإِنابَةِ ، ولَم يَفضَحكَ حَيثُ الفَضيحَةُ بِكَ أولى ، ولَم يُشَدِّد عَلَيكَ في قَبولِ الإِنابَةِ ، ولَم يُناقِشكَ بِالجَريمَةِ ، ولَم يُؤيِسكَ مِنَ الرَّحمَةِ . بل جَعَلَ نُزوعَكَ عَنِ الذَّنبِ حَسَنَةً ، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ واحِدَةً ، وَحَسَب

1.في المصدر : «قدّر» بدل «وقدر» ، والصواب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى .

2.العَقَبة الكَؤود : أي الشاقّة (النهاية : ج۴ ص۱۳۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101158
صفحه از 670
پرینت  ارسال به