539
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

أبصَرَ . قارِن أهلَ الخَيرِ تَكُن مِنهُم . وبايِن أهلَ الشَّرِّ تَبِن عَنهُم . بِئسَ الطَّعامُ الحَرامُ ! وظُلمُ الضَّعيفِ أفحَشُ الظُّلمِ ! إذا كانَ الرِّفقُ خُرقا كانَ الخُرقُ رِفقا . رُبَّما كانَ الدَّواءُ داءً . ورُبَّما نَصَحَ غَيرُ النّاصِحِ ، وغَشَّ المُستَنصَحُ . وإيّاكَ وَاتِّكالَكَ عَلَى المُنى فَإِنَّها بَضائِعُ المَوتى ، وَالعَقلُ حِفظُ التَّجارِبِ . وخَيرُ ما جَرَّبتَ ما وَعَظَكَ . بادِرِ الفُرصَةَ قَبلَ أن تَكونَ غُصَّةً . لَيسَ كُلُّ طالِبٍ يُصيبُ ، ولا كُلُّ غائِبٍ يَؤوبُ . ومِنَ الفَسادِ إضاعَةُ الزّادِ ومَفسَدَةُ المَعادِ . ولِكُلِّ أمرٍ عاقِبَةٌ . سَوفَ يَأتيكَ ما قُدِّرَ لَكَ . التّاجِرُ مُخاطِرٌ . ورُبَّ يَسيرٍ أنمى مِن كَثيرٍ ! لا خَيرَ في مُعينٍ مَهينٍ ولا في صَديقٍ ظَنينٍ . ساهِلِ الدَّهرَ ما ذَلَّ لَكَ قُعودُهُ . ولا تُخاطِر بِشَيءٍ رَجاءَ أكثَرَ مِنهُ . وإيّاكَ أن تَجمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجاجِ . اِحمِل نَفسَكَ مِن أخيكَ عِندَ صَرمِهِ ۱ عَلَى الصِّلَةِ ، وعِندَ صُدودِهِ عَلَى اللَّطَفِ وَالمُقارَبَةِ ، وعِندَ جُمودِهِ عَلَى البَذلِ ، وعِندَ تَباعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ ، وعِندَ شِدَّتِهِ عَلَى اللّينِ ، وعِندَ جُرمِهِ عَلَى العُذرِ حَتّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبدٌ وكَأَنَّهُ ذُو نِعمَةٍ عَلَيكَ . وإيَّاك أن تَضَعَ ذلِكَ في غَيرِ مَوضِعِهِ ، أو أن تَفعَلَهُ بِغَيرِ أهلِهِ . لا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَديقِكَ صَديقا فَتُعادِيَ صَديقَكَ . وَامحَض أخاكَ النَّصيحَةَ حَسَنَةً كانَت أو قَبيحَةً . وتَجَرَّعِ الغَيظَ ۲ فَإِنّي لَم أرَ جُرعَةً أحلى مِنها عاقِبَةً ولا ألَذَّ مَغَبَّةً ! وَلِن لِمَن غالَظَكَ فَإِنَّهُ يوشِكُ أن يَلينَ لَكَ . وخُذ عَلى عَدُوِّكَ بِالفَضلِ فَإِنَّهُ أحلَى الظَّفَرَينِ . وإن أرَدتَ قَطيعَةَ أخيكَ فَاستَبقِ لَهُ مِن نَفسِكَ بَقِيَّةً تَرجِعُ إلَيها إن بَدا لَهُ ذلِكَ يَوما ما . ومَن ظَنَّ بِكَ خَيرا فَصَدِّق ظَنَّهُ . ولا تُضِيعَنَّ حَقَّ أخيكَ اتِّكالاً عَلى ما بَينَكَ وبَينَهُ ، فَإِنَّهُ لَيسَ لَكَ بِأخٍ مَن أضَعتَ حَقَّهُ . ولا يَكُن أهلُكَ أشقَى الخَلقِ بِكَ . ولا تَرغَبَنَّ فيمَن زَهِدَ فيكَ . ولا يَكونَنَّ أخوكَ أقوى عَلى قَطيعَتِكَ مِنكَ عَلى صِلَتِهِ . ولا تَكونَنَّ عَلَى الإِساءَةِ أقوى مِنكَ عَلَى الإِحسانِ . ولا يَكبُرَنَّ عَلَيكَ ظُلمُ مَن ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسعى في مَضَرَّتِه

1.الصَّرمُ : القطع البائن ، والهِجْرانُ (لسان العرب : ج۱۲ ص۳۳۴) .

2.الغَيْظ : الغَضَبُ ، وقيل : هو أشدُّ من الغضب (لسان العرب : ج۷ ص۴۵۰) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
538

وسِباعٌ ضارِيَةٌ ، يَهِرُّ بَعضُها بَعضا ، ويَأكُلُ عَزيزُها ذَليلَها ، ويَقهَرُ كَبيرُها صَغيرَها . نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، واُخرى مُهمَلَةٌ ، قَد أضَلَّت عُقولَها ورَكِبَت مَجهولَها . سُروحُ عاهَةٍ بِوادٍ وَعثٍ ۱ ، لَيسَ لَها راعٍ يُقيمُها ، ولا يُسيمُها . سَلَكَت بِهِمُ الدُّنيا طَريقَ العَمى ، وأخَذَت بِأَبصارِهِم عَن مَنارِ الهُدى ، فَتاهوا في حَيرَتِها ، وغَرِقوا في نِعمَتِها ، وَاتَّخَذوها رَبّا ، فَلَعِبَت بِهِم ولَعِبوا بِها ونَسوا ماوَراءَها .
رُوَيدا يُسفِرُ الظَّلامُ ، كَأَن قَد وَرَدَتِ الأَظعانُ ، يوشِكُ مَن أسرَعَ أن يَلحَقَ ! وَاعلَم أنَّ مَن كانَت مَطِيَّتُهُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ فَإِنَّهُ يُسارُ بِهِ وإن كانَ واقِفا ، ويَقطَعُ المَسافَةَ وإن كانَ مُقيما وادِعا .
وَاعلَم يَقينا أنَّكَ لَن تَبلُغَ أمَلَكَ ولَن تَعدُوَ أجَلَكَ ، وأنَّكَ في سَبيلِ مَن كانَ قَبلَكَ . فَخَفِّض فِي الطَّلَبِ ، وأجمِل فِي المُكتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَد جَرَّ إلى حَرَبٍ ، فَلَيسَ كُلُّ طالِبٍ بِمَرزوقٍ ، ولاكُلُّ مُجمِلٍ بِمَحرومٍ . وأكرِم نَفسَكَ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ وإن ساقَتكَ إلَى الرَّغائِبِ ، فَإِنَّكَ لَن تَعتاضَ بِما تَبذُلُ مِن نَفسِكَ عِوَضا . ولا تَكُن عَبدَ غَيرِكَ وقَد جَعَلَكَ اللّهُ حُرّا . وما خَيرُ خَيرٍ لا يُنالُ إلّا بِشَرٍّ ، ويُسرٍ لا يُنالُ إلّا بِعُسرٍ .
وإيّاكَ أن توجِفَ بِكَ مَطايَا الطَّمَعِ ، فَتورِدَكَ مَناهِلَ الهَلَكَةِ . وإنِ استَطَعتَ ألّا يَكونَ بَينَكَ وبَينَ اللّهِ ذُو نِعمَةٍ فَافعَل ، فَإِنَّكَ مُدرِكٌ قَسمَكَ وآخِذٌ سَهمَكَ . وإنَّ اليَسيرَ مِنَ اللّهِ سُبحانَهُ أعظَمُ وأكرَمُ مِنَ الكَثيرِ مِن خَلقِهِ وإن كانَ كُلٌّ مِنهُ .
وتَلافيكَ ما فَرَطَ مِن صَمتِكَ أيسَرُ مِن إدراكِكَ ما فاتَ مِن مَنطِقِكَ ، وحِفظُ ما فِي الوِعاءِ بِشَدِّ الوِكاءِ ۲ ، وحِفظُ ما في يَدَيكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن طَلَبِ ما في يَدِ غَيرِكَ . ومَرارَةُ اليَأسِ خَيرٌ مِنَ الطَّلَبِ إلَى النّاسِ . وَالحِرفَةُ مَعَ العِفَّةِ خَيرٌ مِنَ الغِنى مَعَ الفُجورِ . وَالمَرءُ أحفَظُ لِسِرِّهِ . ورُبَّ ساعٍ فيما يَضُرُّهُ ! مَن أكثَرَ أهجَرَ . ومَن تَفَكَّر

1.الوَعْث : وهو الرَّمْلُ ، والمشيُ فيه يَشْتدّ على صاحبه ويَشُقُّ (النهاية : ج۵ ص۲۰۶) .

2.الوِكاء : الخيْطُ الذي تُشَدُّ به الصُّرَّة والكيسُ وغيرها (النهاية : ج۵ ص۲۲۲) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101144
صفحه از 670
پرینت  ارسال به