فَقالَ : يا مُغيرَةُ ما تَرى ؟ قالَ : يا مُعاوِيَةُ لَو وَسِعَني أن أنصُرَكَ لَنَصَرتُكَ ، ولكِن عَلَيَّ أن آتِيَكَ بِأَمرِ الرَّجُلَينِ ، فَرَكِبَ حَتّى أتى دومَةَ الجَندَلِ ، فَدَخَلَ عَلى أبي موسى كَأَنَّهُ زائِرٌ لَهُ فَقالَ : يا أبا موسى ، ما تَقولُ فيمَنِ اعتَزَلَ هذَا الأَمرَ وكَرِهَ الدِّماءَ ؟ قالَ : اُولئِكَ خِيارُ النّاسِ ، خَفَّت ظُهورُهُم مِن دِمائِهِم ، وخَمَصَت بُطونُهُم مِن أموالِهِم ، ثُمَّ أتى عَمرا فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما تَقولُ فيمَنِ اعتَزَلَ هذَا الأَمرَ ، وكَرِهَ هذِهِ الدِّماءَ ؟ قالَ : اُولئِكَ شِرارُ النّاسِ ؛ لَم يَعرِفوا حَقّا ، ولَم يُنكِروا باطِلاً ، فَرَجَعَ المُغيرَةُ إلى مُعاوِيَةَ فَقالَ لَهُ : قَد ذُقتُ ۱ الرَّجُلَينِ ؛ أمّا عَبدُ اللّهِ بنُ قَيسٍ فَخالِعٌ صاحِبَهُ وجاعِلُها لِرَجُلٍ لَم يَشهَد هذَا الأَمرَ ، وهَواهُ في عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ، وأمّا عَمرٌو فَهُوَ صاحِبُ الَّذي تَعرِفُ ، وقَد ظَنَّ النّاسُ أنَّهُ يَرومُها لِنَفسِهِ ، وأنَّهُ لا يَرى أنَّكَ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنهُ ۲ .
14 / 2
وَصِيَّةُ ابنِ عَبّاسٍ لِأَبي موسى
۲۶۱۰.مروج الذهب :وفي سَنَةِ ثَمانٍ وثَلاثينَ كانَ التِقاءُ الحَكَمَينِ بِدومَةِ الجَندَلِ وقيلَ بِغَيرِها ، عَلى ما قَدَّمنا مِن وَصفِ التَّنازُعِ في ذلِكَ ، وبَعَثَ عَلِيٌّ بِعَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ ، وشُرَيحِ ابنِ هانئٍ الهَمدانِيِّ في أربَعِمِئَةِ رَجُلٍ فيهِم أبو موسَى الأَشعَرِيُّ ، وبَعَثَ مُعاوِيَةُ بِعَمرِو ابنِ العاصِ ومَعَهُ شُرَحبيلُ بنُ السِّمطِ في أربَعِمِئَةٍ ، فَلَمّا تَدانَى القَومُ مِنَ المَوضِعِ الَّذي كانَ فيهِ الاِجتِماعُ قالَ ابنُ عَبّاسٍ لِأَبي موسى :
إنَّ عَِليّا لَم يَرضَ بِكَ حَكَما لِفَضلٍ عِندَكَ ، وَالمُتَقَدِّمونَ عَلَيكَ كَثيرٌ ، وإنَّ النّاسَ أبَوا غَيرَكَ ، وإنّي لَأَظُنَّ ذلِكَ لِشَرٍّ يُرادُ بِهِم ، وقَد ضُمَّ داهِيَةُ العَرَبِ مَعَكَ .