567
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

القرآن . والمؤاخذة الوحيدة في هذا السياق هي أنّ التحكيم في هذه الواقعة جاء خلافا للحكمة والسياسة التي أعلنها الإمام صراحة ، لكنّهم هم الذين استنكروا منه ذلك الموقف وأملوا عليه وعلى جيش الكوفة الرضوخ للتحكيم .
وفضلاً عن ذلك ، فإنّ الإمام كان يميل إلى الاستقالة على نحو يُرضي الخوارج ، غير أنّ الأشعث لم يقبل وأصرّ على أن يعترف الإمام بالخطأ على نحو يسيء إلى مكانته بوصفه قائدا .

ب ـ نقض العهد

ولو افترضنا أنّ الإمام قد اعترف بخطأ ؛ فإنّ الخوارج كان لديهم طلب آخر ؛ وهو نقض الوثيقة بين جيش الشام والكوفة . بينما كان الإمام يرى أنّ التمسّك بالمواثيق يعدّ واحدا من المبادئ الدوليّة في الإسلام ، ولا ينبغي أن ينقض المواثيق تحت أيّة ذريعة كانت . ومن هنا فقد كتب في عهده إلى مالك الأشتر :
«وإن عَقَدتَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً أو ألبَستَهُ مِنكَ ذَمَّةً ، فَحُط عَهدَكَ بِالوَفاءِ ، وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمانَةِ ، وَاجعَل نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ مِن فَرائِضِ اللّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعا ، مَعَ تَفَرُّقِ أهوائِهِم وتَشَتُّتِ آرائِهِم ، مِن تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ . وقَد لَزِمَ ذلِكَ المُشرِكونَ فيما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لَمَّا استَوبَلوا مِن عَواقِبِ الغَدرِ ؛ فَلا تَغدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، ولا تَخيسَنَّ بِعَهدِكَ ، ولا تَختِلَنَّ عَدُوَّكَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ شَقِيٌّ . وقَد جَعَلَ اللّهُ عَهدَهُ وذِمَّتَهُ أمنا أفضاهُ بَينَ العِبادِ بِرَحمَتِهِ ، وحَريما يَسكُنونَ إلى مَنَعَتِهِ ، ويَستَفيضونَ إلى جِوارِهِ ؛ فَلا إدغالَ ولا مُدالَسَةَ ولا خِداعَ فيهِ» ۱ .

1.نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
566

تشير إلى أنّه تحوّل إلى واحد من العناصر المندسّة في جيش الإمام لصالح معاوية . إلّا أنّ الإمام عليّ عليه السلام لم يكن قادرا على البتّ في أمره ؛ بسبب مكانته الاجتماعيّة وضخامة قبيلته التي كان لها دور مؤثّر في جيش الكوفة .

5 ـ الحكمة من عدم اغتنام الفرصة بعد توبة الخوارج

وتوقّفت المعركة على أثر المكيدة التي ابتكرها عمرو بن العاص . ولكن ما لبث قرّاء الكوفة أن انتبهوا إلى أنّهم قد انطلت عليهم الخدعة ، وأنّهم قد أخطؤوا في حمل الإمام على قبول التحكيم . فجاؤوا إليه وأعربوا عن خطأ موقفهم ، وتوبتهم ممّا كان منهم ، وأنّه هو الآخر قد أخطأ في قبول رأيهم ، ويجب أن يتوب أيضا ! واعتبروا الوثيقة التي صيغت على أساس المكيدة فاقدة لأيّة قيمة ، ولابدّ من نقضها واستئناف الحرب . إلّا أنّ الإمام رفض قبول هذه الاقتراحات ، وانتهى ذلك الرفض إلى انشقاق القُرّاء عن الإمام ووقوع معركة النهروان .
والسؤال الأساسي الأخير فيما يخصّ أمر التحكيم هو : لماذا رفض الإمام اقتراح القرّاء بنقض الوثيقة ومعاودة القتال ؟ ألم يكن يعلم بما سيؤول إليه رفض تلك المقترحات ؟ وما هي الحكمة الكامنة وراء عدم اغتنام الإمام لتلك الفرصة الذهبيّة لإنهاء فتنة القاسطين ، وتوقّي وقوع فتنة المارقين ؟
وجواب هذا السؤال : هو أنّ استجابة الإمام لتلك المقترحات تنطوي على ثلاثة أخطاء سياسيّة ودينيّة كبرى لم يكن الإمام على استعداد لاقترافها ، وهي :

أ ـ الاعتراف بخطأ القيادة

كان الطلب الأوّل للخوارج أن يعترف بأنّه قد أخطأ فيما يخصّ القبول بأمر التحكيم ، غير أنّ الإمام لم يكن على استعداد للإعلان عن ارتكابه لأيّ خطأ ؛ وذلك لأنّ القبول بالتحكيم لحلّ الاختلافات لا يُعدّ تصرّفا خاطئا ، بل هو أمر محبّذ يؤيّده

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 98995
صفحه از 670
پرینت  ارسال به