575
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

ونجد هذا المعنى أيضا في كلام المحدّثين ؛ فقد ذهبوا في شرح روايات جمّة إلى أنّ التعمّق هو الإغراق في الخروج عن الاعتدال ، والإفراط في مقابل الاعتدال ۱ .
إنّ التنقيب عن مواضع استعمال «التعمّق» في المعاجم والأحاديث الإسلاميّة المنقولة في مصادر الفريقين لا يُريب الباحث في أنّ المراد من هذه الكلمة في الثقافة الإسلاميّة ليس إلّا الإفراط ، والتطرّف ، والخروج عن الاعتدال . وعلى أيّ حال لو لم يكن إلّا الحديث الذي أوردناه آنفا لكفى به برهانا على ما نقول .
وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يوصي أصحابه دائما ألّا يتجاوزوا حدّ الاعتدال في اُمور الدين ، ولا يُحرجوا أنفسهم ، ولا يفقدوا حماسهم ونشاطهم في العبادة ، وأن يُراعوا حدود السنّة ، ولأنّ المجال هنا يضيق عن ذكر جلّ وصاياه وتعاليمه التربويّة المليئة بالدروس والعبر ، الجديرة بالقراءة والتأمّل . فإننا نذكر نزرا يسيرا منها :
«ألا وإنَّ لِكُلِّ عِبادَةٍ شِرَّةً ، ثُمَّ تَصيرُ إلى فَترَةٍ ، فَمَن صارَت شِرَّةُ عِبادَتِهِ إلى سُنَّتي فَقَدِ اهتَدى ، ومَن خالَفَ سُنَّتي فَقَد ضَلَّ ، وكانَ عَمَلُهُ في تَبابٍ ، أما إنّي اُصَلّي وأنامُ ، وأصومُ واُفطِرُ ، وأضحَكُ وأبكي ؛ فَمَن رَغِبَ عَن مِنهاجي وسُنَّتي فَلَيسَ مِنّي» ۲ .
وكان صلى الله عليه و آله ينظر في مرآة الزمان إلى أفراد من اُمّته يناهضون الحقّ لإفراطهم وتطرّفهم ، ويصرّون على موقفهم إصرارا سُرعان ما يُبعدهم عن الدين وحقائقه ،

1.قال المجلسي قدس سره في بيان ما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام : «لا تعمّق في الوضوء» : أي بإكثار الماء ، أو بالمبالغة كثيرا في إيصال الماء زائدا عن الإسباغ المطلوب» . بحار الأنوار : ج۸۰ ص۲۵۸ وراجع وسائل الشيعة : ج۱ ص۴۳۴ «باب استحباب صفق الوجه بالماء قليلاً عند الوضوء وكراهة المبالغة في الضرب ، والتعمّق في الوضوء» وصحيح البخاري : ج۶ ص۲۶۶۱ «باب ما يكره من التعمّق والتنازع في العلم والغلوّ في الدين والبِدع» .

2.الكافي : ج۲ ص۸۵ ح۱ وراجع كنز العمّال : ج۱۶ ص۲۷۶ ح۴۴۴۳۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
574

التطرّف الديني في اصطلاح الحديث

ذكرنا أنّ الإسلام دينٌ وسطٌ يرفض الإفراط ، والتطرّف ، والخروج عن الاعتدال ، ولنا أن نلمس هذه الحقيقة في التعاليم الدينيّة بعناوين متنوّعة . منها : إنّنا نلحظ أنّ الإفراط والتطرّف وردا في لسان الأحاديث والروايات تحت عنوان «التعمّق» ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
«إيّاكُم وَالتَّعَمُّقَ فِي الدّينِ ! فَإِنَّ اللّهَ تَعالى قَد جَعَلَهُ سَهلاً ، فَخُذوا مِنهُ ما تُطيقونَ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ مادامَ مِن عَمَلٍ صالِحٍ وإن كانَ يَسيرا» ۱ .
ونُلقي فيما يأتي نظرة عابرة على هذه المفردة مستهدين بما ذكره أرباب المعاجم .
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : المُتَعَمِّق : المبالغ في الأمر المنشود فيه الذي يُطلب أقصى غايته ۲ .
وجاء في «لسان العرب» : المُتَعَمِّق : المبالغ في الأمر المتشدّد فيه الذي يطلب أقصى غايته ۳ .

1.كنز العمّال : ج۳ ص۳۵ ح۵۳۴۸ نقلاً عن أبي القاسم بن بشران في أماليه عن عمر ، الجامع الصغير : ج۱ ص۴۵۲ ح۲۹۳۳ .

2.كتاب العين : ص۵۷۹ .

3.لسان العرب : ج۱۰ ص۲۷۱ ، النهاية : ج۳ ص۲۹۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101022
صفحه از 670
پرینت  ارسال به