595
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3

على الإمام عليه السلام غير آذِنين لأنفسهم بالتفكير فيه والتأمّل فيما ابتدعوه ولو قليلاً ، ثمّ حملوا عصا التكفير وكفّروا الإمام عليه السلام وهو الذي كان كيان الإيمان الماثل ، وصورة الحقّ المتجسّد ، ومظهر الربّانيّة الرفيعة . والعجب أنّهم قد أفتوا بقتل كلّ من لم يعتقد بعقيدتهم ، وأقدموا على ذلك عمليّا ، فقتلوا أشخاصا في هذا السبيل ۱ . وواصلوا نهجهم على هذا المنوال ، وشرّعوا التكفير ، وقالوا بكفر كلّ من يرتكب الكبيرة . ومن هنا ، لمّا سُئل أحد قادتهم ؛ وهو قطري بن الفُجاءة ، في إحدى المعارك : هل تقاتل أم لا ؟ فأجاب بالنفي ، ثمّ استدرك فعزم على القتال ، قال جنده : كَذَبَ وكَفَرَ . وعرّضوا به قائلين : «دابّة اللّه » ، فحكم عليهم بالكفر ۲ .

4 ـ التعصّب واللجاج

اللجاج من وحي الجهل والتعصّب الأعمى إفراز آخر من الإفرازات الخطرة للتطرّف الديني والعُجب المنبثق منه . وهكذا فالشخص المتعمّق مرتهن بحبالة الزيغ والضلال بحيث تتعذّر نجاته . من هذا المنطلق ، ولمّا اتّصف به الخوارج ، خاطبهم الإمام عليه السلام قائلاً :
«أيَّتُهَا العِصابَةُ الَّتي أخرَجَتها عَداوَةُ المِراءِ وَاللَّجاجَةِ ، وصَدَّها عَنِ الحَقِّ الهَوى ، وطَمَحَ بِهَا النَّزَقُ ۳ ، وأصبَحَت فِي اللَّبسِ وَالخَطبِ العَظيمِ» ۴ .
وهكذا «فالمتعمّقون» و «المتعصّبون» أولو اللجاجة لم ينظروا فيما يعتقدون به قطّ ، ولم يحتملوا فيه الخطأ فيرونه بحاجةٍ إلى إعادة نظر وتمحيص . من هنا صمّوا عن سماع توجيهات الإمام عليه السلام الناصحة الشفيقة ، ولم يعيدوا النظر في مواقفهم حين

1.من جملتهم عبد اللّه بن خباب بن الأرت ، وقصّته مشهورة .

2.راجع الكامل للمبرّد : ج۳ ص۱۳۳۴ .

3.النَّزَق : خفّة في كلّ أمر وعجلة في جهل وحمق (لسان العرب : ج۱۰ ص۳۵۲) .

4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۸۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
594

«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَـلاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»۱ . وحين تُليت هذه الآية الكريمة عند الإمام عليه السلام ، قال :
«أهلُ حَرَوراءَ مِنهُم» ۲ .
وهكذا يأسر العجب الإنسان في الجهل ، والمفتون بهذا الجهل لا يرى نفسه جاهلاً أبدا ، ولا ينفكّ من هذا القيد بتاتا ، وكلام الإمام عليه السلام في هذا الشأن معبِّر ناطق بليغ ، فقد قال عليه السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه السلام :
«إنَّ الجاهِلَ مَن عَدَّ نَفسَهُ ـ بِما جَهِلَ مِن مَعرِفَةِ العِلمِ ـ عالِما ، وبِرَأيِهِ مُكتَفِيا ؛ فَما يَزالُ لِلعُلَماءِ مُباعِدا ، وعَلَيهِم زارِيا ، ولِمَن خالَفَهُ مُخَطِّئا ، ولِما لَم يَعرِف مِنَ الاُمورِ مُضَللاً ، فَإِذا وَرَدَ عَلَيهِ مِنَ الاُمورِ ما لَم يَعرِفهُ أنكَرَهُ وكَذَّبَ بِهِ وقالَ بِجَهالَتِهِ : ما أعرِفُ هذا ، وما أراهُ كانَ ، وما أظُنُّ أن يَكونَ ، وأنّى كانَ ؟ ! وذلِكَ لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ ، وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ . فَما يَنفَكُّ ـ بِما يَرى مِمّا يَلتَبِسُ عَلَيهِ رَأيُهُ مِمّا لا يَعرِفُ ـ لِلجَهلِ مُستَفيدا ، ولِلحَقِّ مُنكِرا ، وفِي الجِهالَةِ مُتَحَيِّرا ، وعَن طَلَبِ العِلمِ مُستَكبِرا» ۳ .

3 ـ التكفير والاتّهام

إنّ إحدى الثمار المرّة المضرّة للتطرّف المنطلق من الجهل ، والإفراط الهشّ الخاوي ، و«التعمّق» في الدين ، وحبّ التمحور المنبثق منه هي اتّهام الآخرين بالخروج من الدين ؛ فالسطحيّون المتحجّرون الزاهون بأنفسهم العادّون سلوكهم معيارا للحقّ يحكمون على الآخرين بلا أناةٍ ولا أساس ، ويقصمون ظهر كلّ من لا يفكّر تفكيرهم بعصا التكفير . وهكذا كان الخوارج ، فهم الذين كانوا قد فرضوا التحكيم

1.الكهف : ۱۰۳ و ۱۰۴ .

2.راجع : ص۶۰۹ ح۲۶۴۳ .

3.تحف العقول : ص۷۳ ، بحار الأنوار : ج۷۷ ص۲۰۳ ح۱ نقلاً عن كتاب الرسائل للكليني .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 3
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101012
صفحه از 670
پرینت  ارسال به