105
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

لا تَظهَرُ مَوَدَّتَهُم إلّا بِسَلامَةِ صُدورِهِم ، ولا تَصِحُّ نَصيحَتُهُم إلّا بِحَوطَتِهِم عَلى وُلاةِ اُمورِهِم ، وقِلَّةِ استِثقالِ دَولَتِهِم ، وتَركِ استِبطاءِ انقِطاعِ مُدَّتِهِم .
«ثُمَّ لا تَكِلَنَّ جُنودَكَ إلى مَغنَمٍ وَزَّعتَهُ بَينَهُم ، بَل أحدِث لَهُم مَعَ كُلِّ مَغنَمٍ بَدَلاً مِمّا سِواهُ مِمّا أفاءَ اللّهُ عَلَيهِم ، تَستَنصِر بِهِم بِهِ ، ويَكونَ داعِيَةً لَهُم إلَى العَودَةِ لِنَصرِ اللّهِ ولِدينِهِ . وَاخصُص أهلَ النَّجدَةِ في أمَلَهِم إلى مُنتَهى غايَةِ آمالِكَ مِنَ النَّصيحَةِ بِالبَذلِ» ، وحُسنِ الثَّناءِ عَلَيهِم ، ولَطيفِ التَّعَهُّدِ لَهُم رَجُلاً رَجُلاً وما أبلى في كُلِّ مَشهَدٍ ؛ فَإِنَّ كَثرَةَ الذِّكرِ مِنكَ لِحُسنِ فِعالِهِم تَهُزُّ الشُّجاعَ ، وتُحَرِّضُ النّاكِلَ إن شاءَ اللّهُ .
«ثُمَّ لا تَدَع أن يَكونَ لَكَ عَلَيهِم عُيونٌ ۱ مِن أهلِ الأَمانَةِ وَالقَولِ بِالحَقِّ عِندَ النّاسِ ، فَيَثبِتونَ بَلاءَ كُلِّ ذي بَلاءٍ مِنهُم لِيَثِقَ اُولئِكَ بِعِلمِكَ بِبَلائِهِم» .
ثُمَّ اعرِف لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم ما أبلى ، ولا تَضُمَّنَّ بَلاءَ امرِئٍ إلى غَيرِهِ ، ولا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دونَ غايَةِ بَلائِهِ ، «وكافِ كُلاًّ مِنهُم بِما كانَ مِنهُ ، وَاخصُصهُ مِنكَ بِهَزِّهِ» . ولا يَدعُوَنَّكَ شَرَفُ امرِئٍ إلى أن تُعَظِّمَ مِن بَلائِهِ ما كانَ صَغيراً ، ولا ضِعَةُ امرِئٍ عَلى أن تُصَغِّرَ مِن بَلائِهِ ما كانَ عَظيماً . «ولا يُفسِدَنَّ امرَأً عِندَكَ عِلَّةٌ إن عَرَضَت لَهُ ، ولا نُبُوَّةُ حَديثٍ لَهُ قَد كانَ لَهُ فيها حُسنُ بِلاءٍ ، فَإِنَّ العِزَّةَ للّهِِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ .
وإنِ استُشهِدَ أحدٌ مِن جُنودِكَ وأهلِ النِّكايَةِ في عَدُوِّكَ فَاخلُفهُ ۲ في عِيالِهِ بِما يَخلُفُ بِهِ الوَصِيُّ الشَّفيقُ المُوَثَّقُ بِهِ ؛ حَتّى لا يُرى عَلَيهِم أثَرُ فَقدِهِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُعطِفُ عَلَيكَ قُلوبَ شيعَتِكَ ، ويَستَشعِرونَ بِهِ طاعَتَكَ ، ويَسلَسونَ ۳ لِرُكوبِ مَعاريضِ التَّلَفِ الشَّديدِ في وِلايَتِكَ .

1.العَين : الذي يُبعث ليتَجسّس الخبرَ (لسان العرب : ج۱۳ ص۳۰۱) .

2.يقال : خَلَفتُ الرجلَ في أهله : إذا أقمتَ بعده فيهم وقمتَ عنه بما كان يفعله (النهاية : ج۲ ص۶۶) .

3.سلس المُهر : إذا انقاد (لسان العرب : ج۶ ص۱۰۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
104

ألزَمَهُ اللّهُ مِن ذلِكَ إلّا بالإهتِمامِ والاِستِعانَةِ بِاللّهِ وتَوطينِ نَفسِهِ عَلى لُزومِ الحَقِّ وَالصَّبرِ فيما خَفَّ عَلَيهِ وثَقُلَ . فَوَلِّ مِن جُنودِكَ أنصَحَهُم في نَفسِكَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِاءِمامِكَ ، وأنقاهُم جَيباً ، وأفضَلَهُم حِلماً ، وأجمَعَهُم عِلماً وسِياسَةً ، مِمَّن يُبطِئُ عَنِ الغَضَبِ ، ويَسرَعُ إلَى العُذرِ ، ويَرأَفُ بِالضُّعَفاءِ ، ويَنبو ۱ عَلَى الأَقوِياءِ ، مِمَّن لا يُثيرُهُ العَنفُ ، ولا يَقعُدُ بِهِ الضَّعفُ .
ثُمَّ الصَق بِذَوِي الأَحسابِ وأهلِ البُيوتاتِ الصّالِحَةِ والسَّوابِقِ الحَسَنَةِ ، ثُمَّ أهلِ النَّجدَةِ وَالشَّجاعَةِ وَالسَّخاءِ وَالسَّماحَةِ ؛ فَإِنَّهُم جِماعٌ مِنَ الكَرَمِ ، وشُعَبٌ مِنَ العُرفِ ، يَهدونَ إلى حُسنِ الظَّنِّ بِاللّهِ ، وَالإِيمانِ بِقَدَرِهِ .
ثُمَّ تَفَقَّد اُمورَهُم بِما يَتَفَقَّدُ الوالدُ مِن وَلَدِهِ ، ولا يَتَفاقَمَنَّ ۲ في نَفسِكَ شَيءٌ قَوَّيتَهُم بِهِ . ولا تَحقِرَنَّ لُطفاً تَعاهَدتَهُم بِهِ وإن قَلَّ ؛ فَإِنَّهُ داعِيَةٌ لَهُم إلى بَذلِ النَّصيحَةِ وحسُنِ الظَّنِّ بِكَ . فَلا تَدَع تَفَقُّدَ لَطيفِ اُمورِهِمُ اتِّكالاً عَلى جَسيمِها ؛ فَإِنَّ لِليَسيرِ مِن لُطفِكَ مَوضِعاً يَنتَفِعونَ بِهِ ، ولِلجَسيمِ مَوقِعاً لا يَستَغنونَ عَنهُ .
وَليَكُن آثَرُ رُؤوسِ جُنودِكَ مَن واساهُم في مَعونَتِهِ ، وأفضَلَ عَلَيهِم في بَذلِهِ مِمَّن يَسَعُهُم ويَسَعُ مَن وَراءَهُم مِنَ الخُلوفِ ۳ مِن أهلِهِم ، حَتّى يَكونَ هَمُّهُم هَمّاً واحِداً في جِهادِ العَدُوِّ .
«ثُمَّ واتِر إعلامَهم ذاتَ نَفسِكَ في إيثارِهِم وَالتَّكرِمَةِ لَهُم ، وَالإِرصادِ بِالتَّوسِعَةِ . وحَقِّق ذلِكَ بِحُسنِ الفِعالِ وَالأَثَرِ وَالعَطفِ» ؛ فَإِنَّ عَطفَكَ عَلَيهِم يَعطِفُ قُلوبَهُم عَلَيكَ .
وإنَّ أفضَلَ قُرَّةِ العُيونِ لِلوُلاةِ استِفاضَةُ العَدلِ فِي البِلادِ ، وظُهورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ ؛ لِأَنَّه

1.النَّبْو : العلوّ والارتفاع (لسان العرب : ج۱۵ ص۳۰۲) أي يشتدّ ويعلو عليهم ليكفّ أيديهم عن الظلم .

2.أي لا تعد ما قوّيتم به عظيما (بحار الأنوار : ج۳۳ ص۶۰۴) .

3.الخوالف : الذين لا يغزون (لسان العرب : ج۹ ص۸۶) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 119097
صفحه از 684
پرینت  ارسال به