107
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

يَصغى ۱
لِلتَّبليغِ ؛ فَوَلِّ قَضاءَكَ مَن كانَ كَذلِكَ ، وهُم قَليلٌ .
ثُمَّ أكثِر تَعَهُّدَ قَضائِهِ ، وَافتَح لَهُ فِي البَذلِ ما يُزيحُ عِلَّتَهُ ، ويَستَعينُ بِهِ ، وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إلَى النّاسِ ، وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ ؛ لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ إيّاهُ عِندَكَ . «وأحسِن تَوقيرَهُ في صُحبَتِكَ ، وقُربَهُ في مَجلِسِكَ ، وأمضِ قَضاءَهُ ، وأنفِذ حُكمَهُ ، وَاشدُد عَضُدَهُ ، وَاجعَل أعوانَهُ خِيارَ مَن تَرضى مِن نُظَرائِهِ مِنَ الفُقَهاءِ وأهلِ الوَرَعِ وَالنَّصيحَةِ للّهِِ ولِعِبادِ اللّهِ ؛ لِيُناظِرَهُم فيما شُبِّهَ عَلَيهِ ، ويَلطِفَ عَلَيهِم لِعِلمِ ما غابَ عَنهُ ، ويَكونونَ شُهَداءَ عَلى قَضائِهِ بَينَ النّاسِ إن شاءَ اللّهُ .
ثُمَّ حَمَلَةُ الأَخبارِ لِأَطرافِكَ قُضاةٌ تَجتَهِدُ فيهِم نَفسُهُ ، لا يَختلِفونَ ولا يَتَدابَرونَ في حُكمِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ الاِختِلافِ فِي الحُكمِ إضاعَةٌ لِلعَدلِ ، وغِرَّةٌ فِي الدّينِ ، وسَبَبٌ مِنَ الفُرقَةِ . وقَد بَيَّنَ اللّهُما يَأتونَ وما يُنفِقونَ ، وأمَرَ بِرَدِّ ما لا يَعلمونَ إلى مَنِ استَودَعَهُ اللّهُ عِلمَ كِتابِهِ ، وَاستَحفَظَهُ الحُكمَ فيهِ ، فَإِنَّما اختِلافُ القُضاةِ في دُخولِ البَغيِ بَينَهُم ، وَاكِتفاءُ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم بِرَأيِهِ دونَ مَن فَرَضَ اللّهُ وِلايَتَهُ لَيسَ يُصلِحُ الدّينَ ولا أهلَ الدّينِ عَلى ذلِكَ .
ولكِن عَلَى الحاكِمِ أن يَحكُمَ بِما عِندَهُ مِنَ الأَثَرِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِذا أعياهُ ذلِكَ رَدَّ الحُكمَ إلى أهلِهِ ، فَإِن غابَ أهلُهُ عَنهُ ناظَرَ غَيرَهُ مِن فُقَهاءِ المُسلِمينَ ؛ لَيسَ لَهُ تَركُ ذلِكَ إلى غَيرِهِ ، ولَيسَ لِقاضِيَينِ مِن أهلِ المِلَّةِ أن يُقيما عَلَى اختِلافٍ فِي الحُكمِ دونَما رُفِعَ ذلِكَ إلى وَلِيٍّ الأَمرِ فيكُم ، فَيَكونَ هُوَ الحاكِمَ بِما عَلَّمَهُ اللّهُ ، ثُمَّ يَجتَمِعانِ عَلى حُكمِهِ فيما وافَقَهُما أو خالَفَهُما» . فَانظُر في ذلِكَ نَظَراً بَليغاً ، فَإِنَّ هذَا الدّينَ قَد كانَ أسيراً بِأيدِي الأَشرارِ ، يُعمَلُ فيهِ بِالهَوى ، وتُطلَبُ بِهِ الدُّنيا .

1.صغا إليه يصغى: مال (لسان العرب : ج۱۴ ص۴۶۱).


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
106

وقَد كانَت مِنَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُنَنٌ فِي المُشرِكينَ ومِنّا بَعدَهُ سُنَنٌ ، قَد جَرَت بِها سُنَنٌ وأمثالٌ فِي الظّالِمينَ ، ومَن تَوَجَّهَ قِبلَتَنا ، وتَسمّى بِدينِنا» ؛ وقَد قالَ اللّهُ لِقَومٍ أحَبَّ إرشادَهُم : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَـزَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ «إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ ذَ لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»۱ ، وقالَ : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنـبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَـنَ إِلَا قَلِيلاً»۲ » فَالرَّدُ إلَى اللّهِ الأَخذُ بِمُحكَمِ كِتابِهِ ، وَالرَّدُّ إلَى الرَّسولِ الأَخذُ بِسُنَّتِهِ الجامِعَةِ غَيرِ المُتَفَرِّقَةِ ، «ونَحنُ أهلُ رَسولِ اللّهِ الَّذينَ نَستَنبِطُ المُحكَمَ مِن كِتابِهِ ، ونَميزُ المُتَشابِهِ مِنهُ ، ونَعرِفُ النّاسِخَ مِمّا نَسَخَ اللّهُ ووَضَعَ إصرَهُ .
فَسِر في عَدُوِّكَ بِمِثلِ ما شاهَدتَ مِنّا في مِثلِهِم مِنَ الأَعداءِ ، وواتِر إلَينَا الكُتُبَ بِالأَخبارِ بِكُلِّ حَدَثٍ يَأتِكَ مِنّا أمرٌ عامٌّ ، وَاللّهُ المُستَعانُ .
ثُمَّ انظُر في أمرِ الأِحكامِ بَينَ النّاسَ بَنِيَّةٍ صالِحَةٍ ؛ فَإِنَّ الحُكمَ في إنصافِ المَظلومِ مِنَ الظّالِمِ وَالأَخذِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ وإقامَةِ حُدودِ اللّهِ عَلى سُنَّتِها ومِنهاجِها مِمّا يُصلِحُ عِبادَ اللّهِ وبِلادَهُ» . فَاختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفسِكَ ، «وأنفُسِهِم لِلعِلمِ وَالحِلمِ وَالوَرَعِ وَالسَّخاءِ» ، مِمَّن لا تَضيقُ بِهِ الاُمورُ ، ولا تُمحِكُهُ ۳ الخُصومُ ، ولا يَتَمادى في إثباتِ الزَّلَّةِ ، ولا يَحصَرُ مِنَ الفَيءِ إلَى الحَقِّ إذا عَرَفَهُ ، ولا تُشرِفُ نَفسُهُ على طَمَعٍ ، ولا يَكتَفي بِأَدنى فَهمٍ دونَ أقصاهُ ، وأوقَفَهُم فِي الشُّبَهاتِ ، وآخَذَهُم بِالحُجَجِ ، وأقَلَّهُم تَبَرُّماً بِمُراجِعَةِ الخُصومِ ، وأصبَرَهُم عَلى تَكَشُّفِ الاُمورِ ، وأصرَمَهُم عِندَ اتِّضاحِ الحُكمِ ، مِمَّن لا يَزدَهيهِ إطراءٌ ، ولا يَستَميلُهُ إغراقٌ ، ولا

1.النساء : ۵۹ .

2.النساء : ۸۳ .

3.المَحْك : اللَّجاج (لسان العرب : ج۱۰ ص۴۸۶) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 118855
صفحه از 684
پرینت  ارسال به