يَصغى ۱
لِلتَّبليغِ ؛ فَوَلِّ قَضاءَكَ مَن كانَ كَذلِكَ ، وهُم قَليلٌ .
ثُمَّ أكثِر تَعَهُّدَ قَضائِهِ ، وَافتَح لَهُ فِي البَذلِ ما يُزيحُ عِلَّتَهُ ، ويَستَعينُ بِهِ ، وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إلَى النّاسِ ، وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ ؛ لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ إيّاهُ عِندَكَ . «وأحسِن تَوقيرَهُ في صُحبَتِكَ ، وقُربَهُ في مَجلِسِكَ ، وأمضِ قَضاءَهُ ، وأنفِذ حُكمَهُ ، وَاشدُد عَضُدَهُ ، وَاجعَل أعوانَهُ خِيارَ مَن تَرضى مِن نُظَرائِهِ مِنَ الفُقَهاءِ وأهلِ الوَرَعِ وَالنَّصيحَةِ للّهِِ ولِعِبادِ اللّهِ ؛ لِيُناظِرَهُم فيما شُبِّهَ عَلَيهِ ، ويَلطِفَ عَلَيهِم لِعِلمِ ما غابَ عَنهُ ، ويَكونونَ شُهَداءَ عَلى قَضائِهِ بَينَ النّاسِ إن شاءَ اللّهُ .
ثُمَّ حَمَلَةُ الأَخبارِ لِأَطرافِكَ قُضاةٌ تَجتَهِدُ فيهِم نَفسُهُ ، لا يَختلِفونَ ولا يَتَدابَرونَ في حُكمِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ الاِختِلافِ فِي الحُكمِ إضاعَةٌ لِلعَدلِ ، وغِرَّةٌ فِي الدّينِ ، وسَبَبٌ مِنَ الفُرقَةِ . وقَد بَيَّنَ اللّهُما يَأتونَ وما يُنفِقونَ ، وأمَرَ بِرَدِّ ما لا يَعلمونَ إلى مَنِ استَودَعَهُ اللّهُ عِلمَ كِتابِهِ ، وَاستَحفَظَهُ الحُكمَ فيهِ ، فَإِنَّما اختِلافُ القُضاةِ في دُخولِ البَغيِ بَينَهُم ، وَاكِتفاءُ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم بِرَأيِهِ دونَ مَن فَرَضَ اللّهُ وِلايَتَهُ لَيسَ يُصلِحُ الدّينَ ولا أهلَ الدّينِ عَلى ذلِكَ .
ولكِن عَلَى الحاكِمِ أن يَحكُمَ بِما عِندَهُ مِنَ الأَثَرِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِذا أعياهُ ذلِكَ رَدَّ الحُكمَ إلى أهلِهِ ، فَإِن غابَ أهلُهُ عَنهُ ناظَرَ غَيرَهُ مِن فُقَهاءِ المُسلِمينَ ؛ لَيسَ لَهُ تَركُ ذلِكَ إلى غَيرِهِ ، ولَيسَ لِقاضِيَينِ مِن أهلِ المِلَّةِ أن يُقيما عَلَى اختِلافٍ فِي الحُكمِ دونَما رُفِعَ ذلِكَ إلى وَلِيٍّ الأَمرِ فيكُم ، فَيَكونَ هُوَ الحاكِمَ بِما عَلَّمَهُ اللّهُ ، ثُمَّ يَجتَمِعانِ عَلى حُكمِهِ فيما وافَقَهُما أو خالَفَهُما» . فَانظُر في ذلِكَ نَظَراً بَليغاً ، فَإِنَّ هذَا الدّينَ قَد كانَ أسيراً بِأيدِي الأَشرارِ ، يُعمَلُ فيهِ بِالهَوى ، وتُطلَبُ بِهِ الدُّنيا .