113
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

شُغُلٍ ، ثُمَّ تَأذَنُ لَهُم عَلَيكَ» ، وتَجلِسُ لَهُم مَجلِساً تَتَواضَعُ فيهِ للّهِِ الَّذي رَفَعَكَ ، وتُقعِدُ عَنهُم جُندَكَ وأعوانَكَ مِن أحراسِكَ وشُرَطِكَ ، «تَخفِضُ لَهُم في مَجلِسِكَ ذلِكَ جَناحَكَ ، وتُلينُ لَهُم كَنَفَكَ في مُراجَعَتِكَ ووَجهِكَ» ؛ حَتّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُم غَيرَ مُتَعتَعٍ ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في غَيرِ مَوطنٍ : لَن تُقَدَّسَ اُمَّةٌ لا يُؤخَذُ لِلضَّعيفِ فيها حَقُّهُ مِنَ القَوِيِّ غَيرَ مُتَعتَعٍ .
ثُمَّ احتَمِلِ الخُرقَ مِنهُم وَالعِيَّ ، ونَحِّ عَنكَ الضّيقَ وَالأَنفَ يَبسُطِ اللّهُ عَلَيكَ أكنافَ رَحمَتِهِ ، ويوجِب لَكَ ثَوابَ أهلِ طاعَتِهِ ، فَأَعطِ ما أعطَيتَ هَنيئاً ، وَامنَع في إجمالٍ وإعذارٍ ، «وتَواضَع هُناك ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُتَواضِعينَ . وَليَكُن أكرَمَ أعوانِكَ عَلَيكَ أليَنُهُم جانِباً ، وأحسَنُهُم مُراجَعَةً ، وألطَفُهُم بِالضُّعَفاءِ ، إن شاءَ اللّهُ» .
ثُمَّ إنَّ اُموراً مِن اُمورِكَ لابُدَّ لَكَ مِن مُباشَرَتِها ؛ مِنها : إجابَةُ عُمّالِكَ ما يَعيى عَنهُ كُتّابُكَ . ومِنها : إصدارُ حاجاتِ النّاسِ في قِصَصِهِم . «ومِنها : مَعرِفَةُ ما يَصِلُ إلَى الكُتّابِ وَالخُزّانِ مِمّا تَحتَ أيديهِم ، فَلا تَتَوانَ فيما هُنالِكَ ، ولا تَغتَنِم تَأخيرَهُ ، وَاجعَل لِكُلِّ أمرٍ مِنها مَن يُناظِرُ فيهِ وُلاتَهُ بِتَفريغٍ لِقَلبِكَ وهَمِّكَ ، فَكُلَّما أمضَيتَ أمراً فَأَمضِهِ بَعدَ التَّروِيَةِ ومُراجَعَةِ نَفسِكَ ، ومُشاوَرَةِ وَلِيِّ ذلِكَ بِغَيرِ احتِشامٍ ، ولا رَأيَ يَكسِبُ بِهِ عَلَيكَ نَقيضُهُ» .
ثُمَّ أمضِ لِكُلِّ يَومٍ عَمَلَهُ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ يَومٍ ما فيهِ . وَاجعَل لِنَفسِكَ فيما بَينَكَ وبَينَ اللّهِ أفضَلَ تِلكَ المَواقيتِ ، وأجزَلَ تِلكَ الأَقسامِ ، وإن كانَت كُلُّها للّهِِ إذا صَحَّت فيهَا النِّيَّةُ وسَلِمَت مِنهَا الرَّعِيَّةُ .
وَليَكُن في خاصِّ ما تُخلِصُ للّهِِ بِهِ دينَكَ إقامَةُ فَرائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خاصَّةً ، فَأَعطِ اللّهَ مِن بَدَنِكَ في لَيلِكَ ونَهارِكَ ما يَجِبُ ؛ «فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَ النّافِلَةَ لِنَبِيِّهِ خاصَّةً دونَ خَلقِهِ فَقالَ : «وَ مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا»۱ ،

1.الإسراء : ۷۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
112

رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَعَلَ ذلِكَ» .
ثُمَّ اللّهَ اللّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفلى مِنَ الَّذينَ لا حيلَةَ لَهُم ، وَالمَساكينِ ، وَالمُحتاجينَ ، وذَوِي البُؤسِ ، وَالزَّمنى ۱ ؛ فَإِنَّ في هذِهِ الطَّبَقَةِ قانِعاً ومُعتَرّاً ، فَاحفَظِ اللّهَ مَا استَحفَظَكَ مِن حَقِّهِ فيها ، وَاجعَل لَهُم قِسماً مِن غَلّاتِ صَوافِي الإِسلامِ في كُلِّ بَلَدٍ ، فَإِنَّ لِلأَقصى مِنهُم مِثلَ الَّذي لِلأَدنى ، وكُلّاً قَدِ استُرعيتَ حَقَّهُ ، فَلا يَشغَلَنَّكَ عَنهُم نَظَرٌ ؛ فَإِنَّكَ لا تُعذَرُ بِتَضييعِ الصَّغيرِ لِاءِحكامِكَ الكَثيرَ المُهِمِّ ، فَلا تُشخِص هَمَّكَ عَنهُم ، ولا تُصَعِّر خَدَّكَ لَهُم ، «وتَواضَع للّهِِ يَرفَعكَ اللّهُ ، وَاخفَض جَناحَكَ لِلضُّعَفاءِ ، وَاربِهِم إلى ذلِكَ مِنكَ حاجَةً» ، وتَفَقَّدَ مِن اُمورِهُم ما لا يَصِلُ إلَيكَ مِنهُم مِمَّن تَقتَحِمُهُ العُيونُ وتَحقِرُهُ الرِّجالُ ، فَفَرِّغ لِاُولئِكَ ثِقَتَكَ مِن أهلِ الخَشيَةِ وَالتَّواضُعِ فَليَرفَع إلَيكَ اُمورَهُم ، ثُمَّ اعمَل فيهِم بِالإِعذارِ إلَى اللّهِ يَومَ تَلقاهُ ، فَإِنَّ هؤُلاءِ أحوَجُ إلَى الإِنصافِ مِن غَيرِهِم ، وكُلٌّ فَأَعذِر إلَى اللّهِ في تَأدِيَةِ حَقِّهِ إلَيهِ .
وتَعَهَّد أهلَ اليُتمِ وَالزَّمانَةِ وَالرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّن لا حيلةَ لَهُ ، ولا يَنصِبُ لِلمَسأَلَةِ نَفسَهُ ؛ «فَأَجرِ لَهُم أرزاقاً ، فَإِنَّهُم عِبادُ اللّهِ ، فَتَقَرَّب إلَى اللّهِ بِتَخَلُّصِهِم ووَضعِهِم مَواضِعَهُم في أقواتِهِم وحُقوقِهِم ، فَإِنَّ الأَعمالَ تَخلُصُ بِصِدقِ النِّيّاتِ . ثُمَّ إنَّهُ لا تَسكُنُ نُفوسُ النّاسِ أو بَعضِهِم إلى أنَّكَ قَد قَضَيتَ حُقوقَهُم بِظَهرِ الغَيبِ دونَ مُشافَهَتِكَ بِالحاجاتِ» ، وذلِكَ عَلَى الوُلاةِ ثَقيلٌ ، وَالحَقُّ كُلُّهُ ثَقيلٌ ، وقَد يُخَفِّفُهُ اللّهُ عَلى أقوامٍ طَلَبُوا العاقِبَةَ فَصَبَّروا نُفوسَهُم ، ووَثِقوا بِصِدقِ مَوعودِ اللّهِ «لَمَن صَبَرَ وَاحتَسَبَ ، فَكُن مِنهُم وَاستَعِن بِاللّهِ» .
وَاجعَل لِذَوِي الحاجاتِ مِنكَ قِسماً تُفَرِّغُ لَهُم فيهِ شَخصَكَ «وذِهنَكَ مِن كُل

1.الزَّمنى : جمع زَمين . ورجلٌ زَمِنٌ وزمينٌ : أي مبتلىً بيّن الزّمانة ، والزمانة : العاهة (اُنظر لسان العرب : ج۱۳ ص۱۹۹) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 115901
صفحه از 684
پرینت  ارسال به