إيّاكَ وَالإِعجابَ بِنَفسِكَ ، وَالثِّقَةَ بِما يُعجِبُكَ مِنها ، وحُبَّ الإِطراءِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِن أوثَقِ فُرصِ الشَّيطانِ في نَفسِهِ لِيَمحَقَ ما يَكونُ مِن إحسانِ المُحسِنِ .
إيّاكَ وَالمَنَّ عَلى رَعِيَّتِكَ بِإِحسانٍ ، أوِ التَّزَيُّدَ فيما كانَ مِن فِعلِكَ ، أو تعَِدَهُم فَتُتبِعَ مَوعِدَكَ بِخُلفِكَ ، «أوِ التَّسَرُّعَ إلَى الرَّعِيَّةِ بِلِسانِكَ» ؛ فَإِنَّ المَنَّ يُبطِلُ الإِحسانَ ، وَالخُلفَ يُوجِبُ المَقتَ ، وقَد قالَ اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ : «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ»۱ .
إيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمورِ قَبلَ أوانِها ، وَالتَّساقُطَ فيها عِندَ زَمانِها ، وَاللَّجاجَةَ فيها إذا تَنَكَّرَت ، وَالوَهنَ فيها إذا أوضَحَت ، فَضَع كُلَّ أمرٍ مَوضِعَهُ ، وأوقِع كُلَّ عَمَلٍ مَوقِعَهُ .
وإيّاكَ والاِستِئثارَ بِما لِلنّاسِ فيهِ الاُسوَةُ ۲ ، «والاِعتِراضَ فيما يَعنيكَ» ، وَالتَّغابي عَمّا يَعنى بِهِ مِمّا قَد وَضَحَ لِعُيونِ النّاظِرينَ ؛ فَإِنَّهُ مَأخوذٌ مِنكَ لِغَيرِكَ . وعَمّا قَليلٍ تُكشَفُ عَنكَ أغطِيَةُ الاُمورِ ، ويُبرِزُ الجَبّارُ بِعَظَمَتِهِ ، فَيُنتَصَفُ المَظلومونَ مِنَ الظّالِمينَ .
ثُمَّ املِك حَمِيَّةَ أنفِكَ ، وسَورَةَ ۳ حِدَّتِكَ ۴ ، وسَطوَةَ يَدِكَ ، وغَربَ لِسانِكَ . وَاحتَرِس كُلَّ ذلِكَ بِكَفِّ البادِرَةِ ، وتَأخيرِ السَّطوَةِ . وَارفَع بَصَرَكَ إلَى السَّماءِ عِندَما يَحضُرُكَ مِنهُ ، حَتّى يَسكُنَ غَضَبُكَ ، فَتَملِكَ الاِختِيارَ ، ولَن تَحكُمَ ذلِكَ مِن نَفسِكَ حَتّى تُكثِرَ هُمومَكَ بِذِكرِ المَعادِ .
«ثُمَّ اعلَم أنَّهُ قَد جُمِعَ ما في هذَا العَهدِ مِن صُنوفِ ما لم آلُكَ فيهِ رُشداً إن أحَب
1.الصفّ : ۳ .
2.القوم اُسوة في هذا الأمر : أي حالهم فيه واحدة (لسان العرب : ج۱۴ ص۳۵) .
3.سَورَة السلطان : سطوته واعتداؤه . والسَّورَة : الوَثبة (لسان العرب : ج۴ ص۳۸۵) .
4.الحِدّة : ما يعتري الإنسان من النزق والغضب (لسان العرب : ج۳ ص۱۴۱) .