117
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

إيّاكَ وَالإِعجابَ بِنَفسِكَ ، وَالثِّقَةَ بِما يُعجِبُكَ مِنها ، وحُبَّ الإِطراءِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِن أوثَقِ فُرصِ الشَّيطانِ في نَفسِهِ لِيَمحَقَ ما يَكونُ مِن إحسانِ المُحسِنِ .
إيّاكَ وَالمَنَّ عَلى رَعِيَّتِكَ بِإِحسانٍ ، أوِ التَّزَيُّدَ فيما كانَ مِن فِعلِكَ ، أو تعَِدَهُم فَتُتبِعَ مَوعِدَكَ بِخُلفِكَ ، «أوِ التَّسَرُّعَ إلَى الرَّعِيَّةِ بِلِسانِكَ» ؛ فَإِنَّ المَنَّ يُبطِلُ الإِحسانَ ، وَالخُلفَ يُوجِبُ المَقتَ ، وقَد قالَ اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ : «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ»۱ .
إيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمورِ قَبلَ أوانِها ، وَالتَّساقُطَ فيها عِندَ زَمانِها ، وَاللَّجاجَةَ فيها إذا تَنَكَّرَت ، وَالوَهنَ فيها إذا أوضَحَت ، فَضَع كُلَّ أمرٍ مَوضِعَهُ ، وأوقِع كُلَّ عَمَلٍ مَوقِعَهُ .
وإيّاكَ والاِستِئثارَ بِما لِلنّاسِ فيهِ الاُسوَةُ ۲ ، «والاِعتِراضَ فيما يَعنيكَ» ، وَالتَّغابي عَمّا يَعنى بِهِ مِمّا قَد وَضَحَ لِعُيونِ النّاظِرينَ ؛ فَإِنَّهُ مَأخوذٌ مِنكَ لِغَيرِكَ . وعَمّا قَليلٍ تُكشَفُ عَنكَ أغطِيَةُ الاُمورِ ، ويُبرِزُ الجَبّارُ بِعَظَمَتِهِ ، فَيُنتَصَفُ المَظلومونَ مِنَ الظّالِمينَ .
ثُمَّ املِك حَمِيَّةَ أنفِكَ ، وسَورَةَ ۳ حِدَّتِكَ ۴ ، وسَطوَةَ يَدِكَ ، وغَربَ لِسانِكَ . وَاحتَرِس كُلَّ ذلِكَ بِكَفِّ البادِرَةِ ، وتَأخيرِ السَّطوَةِ . وَارفَع بَصَرَكَ إلَى السَّماءِ عِندَما يَحضُرُكَ مِنهُ ، حَتّى يَسكُنَ غَضَبُكَ ، فَتَملِكَ الاِختِيارَ ، ولَن تَحكُمَ ذلِكَ مِن نَفسِكَ حَتّى تُكثِرَ هُمومَكَ بِذِكرِ المَعادِ .
«ثُمَّ اعلَم أنَّهُ قَد جُمِعَ ما في هذَا العَهدِ مِن صُنوفِ ما لم آلُكَ فيهِ رُشداً إن أحَب

1.الصفّ : ۳ .

2.القوم اُسوة في هذا الأمر : أي حالهم فيه واحدة (لسان العرب : ج۱۴ ص۳۵) .

3.سَورَة السلطان : سطوته واعتداؤه . والسَّورَة : الوَثبة (لسان العرب : ج۴ ص۳۸۵) .

4.الحِدّة : ما يعتري الإنسان من النزق والغضب (لسان العرب : ج۳ ص۱۴۱) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
116

ولا تَختِلَنَّ ۱ عَدُوِّكَ ، فَإِنَّهُ لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ ، وقَد جَعَلَ اللّهُ عَهدَهُ وذِمَّتَهُ أمناً أفضاهُ بَينَ العِبادِ بِرَحمَتِهِ ، وحَريماً يَسكُنونَ إلى مَنَعَتِهِ ، ويَستَفيضونَ بِهِ إلى جِوارِهِ ، فَلا خِداعَ ولا مُدالَسَةَ ولا إدغالَ فيهِ ۲ . فَلا يَدعُوَنَّكَ ضيقُ أمرٍ لَزِمَكَ فيهِ عَهدُ اللّهِ عَلى طَلَبِ انفِساخِهِ ، فَإِنَّ صَبرَكَ عَلى ضيقٍ تَرجُو انفِراجَهُ وفَضلَ عاقِبَتِهِ خَيرٌ مِن غَدرٍ تَخافُ تَبِعَتَهُ ، وأن تُحيطَ بِكَ مِنَ اللّهِ طِلبَةً ، ولا تَستَقيلُ فيها دُنياكَ ولا آخِرَتَكَ .
وإيّاكَ وَالدِّماءَ وسَفكَها بِغَيرِ حِلِّها ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ أدعى لِنِقمَةٍ ولا أعظَمَ لِتَبِعَةٍ ولا أحرى لِزَوالِ نِعمَةٍ وَانقِطاعِ مُدَّةٍ مِن سَفكِ الدِّماءِ بِغَيرِ الحَقِّ ، وَاللّهُ مُبتَدِئٌ بِالحُكمِ بَينَ العِبادِ فيما يَتَسافَكونَ مِنَ الدِّماءِ ، فَلا تَصونَنَّ سُلطانَكَ بِسَفكِ دَمٍ حَرامٍ ، فَإِنَّ ذلِكَ يُخلِقُهُ ۳ ويُزيلُهُ ، «فَإِيّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِسَخَطِ اللّهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لِوَلِيِّ مَن قُتِلَ مَظلوماً سُلطاناً ، قالَ اللّهُ : «وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـنًا فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا»۴ » .
ولا عُذرَ لَكَ عِندَ اللّهِ ولا عِندي في قَتلِ العَمدِ ، لِأَنَّ فيهِ قَوَدَ البَدَنِ ، فَإِنِ ابتَلَيتَ بِخَطَاً وأفرَطَ عَلَيهِ سَوطُكَ أو يَدُكَ لِعُقوبَةٍ فَإِنَّ فِي الوَكزَةِ فَما فَوقَها مَقتَلَةً ، فَلا تَطمَحَنَّ ۵ بِكَ نَخوَةُ ۶ سُلطانِكَ عَن أن تُؤَدِّيَ إلى أهلِ المَقتولِ حَقَّهُم ؛ «دِيَّةً مُسَلَّمَةً يُتَقَرَّبُ بِها إلَى اللّهِ زُلفى» .

1.خَتَله : خدعه وراوغه (النهاية : ج۲ ص۹).

2.زاد في نهج البلاغة : «ولا تعقِد عقدا تجوّز فيه العلل ، ولا تعوِّلنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة» .

3.خَلق الشيءُ وأخلَق : بَليَ ، يقال : ثوب خَلَق ، ودار خَلَق (لسان العرب : ج۱۰ ص۸۸) .

4.الإسراء : ۳۳ .

5.طَمَحَ به : ذهب به (لسان العرب : ج۲ ص۵۳۵) .

6.النَّخوة : العظمة والكِبر والفخر (لسان العرب : ج۱۵ ص۳۱۳) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 115480
صفحه از 684
پرینت  ارسال به