141
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

وكانَت كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ العُليا ولَو كَرِهَ الكافِرونَ .
فَتَولّى أبو بَكرٍ تِلكَ الاُمورَ فَيَسَّرَ وشَدَّدَ وقارَبَ وَاقتَصَدَ ، فَصَحِبتُهُ مُناصِحاً وأطَعتُهُ فيما أطاعَ اللّهَ فيهِ جاهِداً ، وما طَمِعتُ أن لَوحَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وأنَا حَيٌّ أن يَرِدَ إلَيَّ الأَمرُ الَّذي نازَعَتهُ فيهِ طَمَعُ مُستَيقِنٍ ولايَئِسَت مِنهُ يَأسُ مَن لايَرجوهُ ، ولَولا خاصَّةُ ما كانَ بَينَهُ وبَينَ عُمَرَ لَظَنَنتُ أنَّهُ لايَدفَعُها عَنّي .
فَلَمَّا احتَضَرَ بَعَثَ إلى عُمَرَ فَوَلّاهُ فَسَمِعنا وأطَعنا وناصَحنا ، وتَوَلّى عُمَرُ الأَمرَ فَكانَ مَرضِيَّ السّيرَةِ مَيمونَ النَّقيبَةِ ، حَتّى إذَا احتَضَرَ قُلتُ في نَفسي : لَن يَعدِلَها عَنّي فَجَعَلَني سادِسَ سِتَّةٍ ، فَما كانوا لِوِلايَةِ أحَدٍ أشَدَّ كَراهِيَةٍ مِنهُم لِوِلايَتي عَلَيهِم ، فَكانوا يَسمَعونّي عِندَ وَفاةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله اُحاجُّ أبا بَكرٍ وأقولُ : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ إنّا أهلَ البَيتِ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنكُم ، ما كانَ فينا مَن يَقرَأُ القُرآنَ ويعَرَفُ السُّنَّةَ ويَدينُ دينَ الحَقِّ . فَخَشِيَ القَومُ إن أنَا وَلَيتُ عَلَيهِم أن لايَكونَ لَهُم فِي الأَمرِ نَصيبٌ مابَقَوا ، فَأَجمَعوا إجماعاً واحِدا ، فَصَرَفُوا الوِلايَةَ إلى عُثمانَ وأخرَجوني مِنها رَجاءَ أن يَنالوها ويَتَداوَلوها إذ يَئِسوا أن يَنالوا مِن قِبَلي ، ثُمَّ قالوا : هَلُمَّ فَبايِع وإلّا جاهَدناكَ . فَبايَعتُ مُستَكرِهاً وصَبَرتُ مُحتَسِباً ، فَقالَ قائِلُهُم : يَابنَ أبي طالِبٍ إنَّكَ عَلى هذَا الأَمرِ لَحَريصٌ ، فَقُلتُ: أنتُم أحرَصُ مِنّي وأبعَدُ ، أأنَا أحرَصُ إذا طَلَبتُ تُراثي وحَقِّيَ الَّذي جَعَلَنِيَ اللّهُ ورَسولُهُ أولى بِهِ ، أم أنتُم إذ تَضرِبونَ وَجهي دونَهُ وتَحولونَ بَيني وبَينَهُ ؟ ! فَبُهِتوا ، وَاللّهُ لايَهدِي القَومَ الظّالِمينَ .
اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحِمي ، وأصغَوا ۱ إنائي ، وصَغَّروا عَظيمَ مَنزِلَتي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي حَقّاً كُنتُ أولى بِهِ مِنهُم فَسَلَبونيهِ ، ثُمَّ قالوا : ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ وفِي الحَقِّ أن تَمنَعَهُ فَاصبِر كَمِداً مُتَوَخِّما أومُت مُتَأَسِّفا

1.أصغى فُلان إناءَ فُلانٍ : إذا أماله ونقَصَه من حظِّه (لسان العرب : ج۱۴ ص۴۶۱) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
140

فَكانَ الرَّسولُ إلَيكُم مِن أنفُسِكُم بِلِسانِكُم ، وكُنتُم أوَّلَ المُؤمِنينَ تَعرِفونَ وَجهَهُ وشيعَتَهُ وعِمارَتَهَ ، فَعَلَّمَكُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَالفَرائِضَ وَالسُّنَّةَ ، وأمَرَكُم بِصِلَةِ أرحامِكُم وحَقنِ دِمائِكُم وصَلاحِ ذاتِ البَينِ ، وأن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إلى أهلِها وأن تُوَفّوا بِالعَهدِ ولاتَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها ، وأمَرَكُم أن تَعاطَفوا وتَبارّوا وتَباذَلوا وتَراحَموا ، ونَهاكُم عَنِ التَّناهُبِ وَالتَّظالُمِ وَالتَّحاسُدِ وَالتَّقاذُفِ وَالتَّباغي ، وعَن شُربِ الخَمرِ وبَخسِ المِكيالِ ونَقصِ الميزانِ ، وتَقَدَّمَ إلَيكُم فيما اُنزِلَ عَلَيكُم : ألّا تَزِنوا ولا تَربوا ولا تَأكُلوا أموالَ اليَتامى ظُلما ، وأن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إلى أهلِها ولاتَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ ، ولاتَعتَدوا إنَّ اللّهَ لايُحِبُّ المُعتَدينَ . وكُلُّ خَيرٍ يُدني إلَى الجَنَّةِ ويُباعِدُ مِنَ النّارِ أمَرَكُم بِهِ ، وكُلُ شَرٍّ يُباعِدُ مِنَ الجَنَّةِ ويُدني مِنَ النّارِ نَهاكُم عَنهُ .
فَلَمّا استَكمَلَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنيا تَوَفّاهُ اللّهُ إلَيهِ سَعيداً حَميداً ، فَيا لَها مُصيبَةً خَصَّتِ الأَقرَبينَ وعَمَّت جَميعَ المُسلِمينَ ، ما اُصيبوا بِمِثلِها قَبلَها ولَن يُعايَنوا بَعدُ اُختَها .
فَلَمّا مَضى لِسَبيلِهِ صلى الله عليه و آله تَنازَعَ المُسلِمونَ الأَمرَ بَعدَهُ ، فَوَاللّهِ ما كانَ يُلقى في روعي ولا يَخطُرُ عَلى بالي أنَّ العَرَبَ تَعدِلُ هذَا الأَمرَ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَن أهلِ بَيتِهِ ، ولا أنَّهُم مُنَحّوهُ عَنّي مِن بَعدِهِ .
فَما راعَني إلَا انثِيالُ النّاسِ عَلى أبي بَكرٍ وإجفالُهُم إلَيهِ لِيُبايِعوهُ ، فَأَمسَكتُ يَدي ورَأَيتُ أنّي أحَقُّ بِمَقامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي النّاسِ مِمَّن تَولَّى الأَمرَ مِن بَعدِهِ . فَلَبِثتُ بِذلِكَ ماشاءَ اللّهُ حَتّى رَأَيتُ راجِعَةً مِنَ النّاسِ رَجَعَت عَنِ الإِسلامِ يَدعونَ إلى مَحقِ دينِ اللّهِ ومِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وإبراهيمَ عليه السلام فَخَشيتُ إن لَم أنصُرِ الإِسلامَ وأهلَهُ أن أرى فيهِ ثَلماً وهَدماً يَكونُ مُصيبَتُهُ أعظَمَ عَلَيَّ مِن فَواتِ وِلايَةِ اُمورِكُمُ ، الَّتي إنَّما هِيَ مَتاعُ أيّامٍ قَلائِلَ ثُمَّ يَزولُ ما كانَ مِنها كَما يَزولُ السَّرابُ وكَما يَنقَشِعُ السَّحابُ ، فَمَشَيتُ عِندَ ذلِكَ إلى أبي بَكرٍ فَبايَعتُهُ ، ونَهَضتُ في تِلكَ الأَحداثِ حَتّى زاغَ الباطِلُ وزَهَقَ ،

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 118788
صفحه از 684
پرینت  ارسال به