175
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

فَيُجيبونَ ، وأدعوكُم ، وأنتُم لا تُصلَحونَ ، فَتُراعونَ ، هذا بُسرٌ قَد صارَ إلَى اليَمَنِ وقَبلَها إلى مَكَّةَ وَالمَدينَةِ .
فَقامَ جاريةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لا عَدَّمَنَا اللّهُ قُربَكَ ، ولا أرانا فِراقَكَ ، فَنِعمَ الأَدَبُ أدَبُكَ ، ونِعمَ الإِمامُ وَاللّهِ أنتَ ، أنَا لِهؤُلاءِ القَومِ فَسَرِّحني إلَيهِم !
قالَ : تَجَهَّز ؛ فَإِنَّكَ ما عَلِمتُكَ رجُلٌ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، المُبارَكُ المَيمونُ النَّقيبَةُ .
ثُمَّ قامَ وَهَبُ بنُ مَسعودٍ الخَثعَمِيُّ فَقالَ : أنَا أنتَدِبُ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : اِنتَدِب ، بارَكَ اللّهُ عَلَيكَ .
فَخَرَجَ جارِيَةُ في ألفَينِ ، ووَهَبُ ابنُ مَسعودٍ في ألفَينِ ، وأمَرَهُما عَلِيٌّ أن يَطلُبا بُسرا حَيثُ كانَ حَتّى يَلحَقاهُ ، فَإِذَا اجتَمَعا فَرَأَسَ النّاسَ جارِيَةُ .
فَخَرَجَ جارِيَةُ مِنَ البَصرَةِ ، ووَهَبُ مِنَ الكوفَةِ ، حَتَّى التَقَيا بِأَرضِ الحِجازِ .
ونَفَذَ بُسرٌ مِنَ الطّائِفِ ، حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ ، وقَد تَنَحّى عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عَنِ اليَمَنِ ، وَاستَخلَفَ بِها عَبدَ اللّهِ بنَ عَبدِ المَدانِ الحارِثِيَّ ، فَأَتاهُ بُسرٌ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ ابنَهُ مالِكَ بنَ عَبدِ اللّهِ ، وقَد كانَ عُبَيدُ اللّهِ خَلَّفَ ابنَيهِ عَبدَ الرَّحمنِ وقُثَمَ عِندَ جُوَيرِيَّةَ ابنَةِ قارِظٍ الكِنانِيَّةِ ـ وهِيَ اُمُّهُما ـ وخَلَّفَ مَعَها رَجُلاً مِن كِنانَةَ .
فَلَمَّا انتَهى بُسرٌ إلَيها دَعَا ابنَي عُبَيدِ اللّهِ لِيَقتُلَهما ، فَقامَ الكِنانِيُّ فَانتَضى سَيفَهُ وقالَ : وَاللّهِ لَاُقتَلَنَّ دونَهُما فَاُلاقي عُذرا لي عِندَ اللّهِ وَالنّاسِ ، فَضارَبَ بِسَيفِهِ حَتّى قُتِلَ ، وخَرَجَت نِسوَةٌ مِن بَني كِنانَةَ فَقُلنَ : يا بُسرُ ! هذَا ۱ الرِّجالُ يُقتَلونَ ، فَما بالُ الوِلدانِ ؟ ! وَاللّهِ ما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَقتُلُهُم ، وَاللّهِ إنَّ سُلطانا لا يَشتَدُّ إلّا بِقَتلِ الصِّبيانِ ورَفعِ الرَّحمَةِ لَسُلطانُ سَوءٍ .
فَقالَ بُسرٌ : وَاللّهِ ، لَقَد هَمَمتُ أن أضَعَ فيكُنَّ السَّيفَ ، وقَدَّمَ الطِّفلَينِ فَذَبَحَهُما . . . .

1.هكذا في المصدر ، والصحيح : «هؤلاء» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
174

فَخَرَجَ بُسرٌ ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِحَيٍّ مِن أحياءِ العَرَبِ إلّا فَعَلَ ما أمَرَهُ مُعاوِيَةُ ، حَتّى قَدِمَ المَدينَةَ وعَلَيها أبو أيّوبِ الأَنصارِيُّ ، فَتَنَحّى عَنِ المَدينَةِ .
ودَخَلَ بُسرٌ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ ثُمَّ قالَ : يا أهلَ المَدينَةِ ! مَثَلُ السَّوءِ لَكُم ، «قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَـئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ »۱ ، ألا وإنَّ اللّهَ قَد أوقَعَ بِكُم هذَا المَثَلَ وجَعَلَكُم أهلَهُ ، شاهَتِ الوُجوهُ ، ثُمَّ ما زالَ يَشتِمُهُم حَتّى نَزَلَ .
قالَ : فَانطَلَقَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ إلى اُمِّ سَلَمَةَ ـ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : إنّي قَد خَشيتُ أن اُقتَلَ ، وهذِهِ بَيعَةُ ضَلالٍ .
قالَت : إذا فَبايِع ؛ فَإِنَّ التَقِيَّةَ حَمَلَت أصحابَ الكَهفِ عَلى أن كانوا يَلبَسونَ الصُّلُبَ ، ويَحضُرونَ الأَعيادَ مَعَ قَومِهِم .
وهَدَمَ بُسرٌ دورا بِالمَدينَةِ ، ثُمَّ مَضى حَتّى أتى مَكَّةَ ، ثُمَّ مَضى حَتّى أتَى اليَمَنَ ، وكانَ عَلَى اليَمَنِ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عامِلُ عَلِيٍّ .
وبَلَغَ عَلِيّا الخَبَرُ ، فَقامَ خَطيبا فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ أوَّلَ نَقصِكُم ذَهابُ اُولِي النُّهى وَالرَّأيِ مِنكُم ؛ الَّذينَ يُحَدِّثونَ فَيَصدُقونَ ، ويَقولونَ فَيَفعَلونَ ، وإنّي قَد دَعَوتُكُم عَودا وبَدءا ، وسِرّا وجَهرا ، ولَيلاً ونَهارا ؛ فَما يَزيدُكُم دُعائي إلّا فِرارا ، ما ينفَعُكُمُ المَوعِظَةُ ولَا الدُّعاءُ إلَى الهُدى وَالحِكمَةِ .
أما واللّهِ ، إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ، ولكِن في ذلِكَ فَسادي ، أمهِلوني قَليلاً ، فَوَاللّهِ ، لَقَد جاءَكُم مَن يُحزِنُكُم ويُعَذِّبُكُم ويُعَذِّبُهُ اللّهُ بِكُم .
إنَّ مِن ذُلِّ الإِسلامِ وهَلاكِ الدّينِ أنَّ ابنَ أبي سُفيانَ يَدعُو الأَراذِلَ وَالأَشرار

1.النحل : ۱۱۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 115933
صفحه از 684
پرینت  ارسال به