فَيُجيبونَ ، وأدعوكُم ، وأنتُم لا تُصلَحونَ ، فَتُراعونَ ، هذا بُسرٌ قَد صارَ إلَى اليَمَنِ وقَبلَها إلى مَكَّةَ وَالمَدينَةِ .
فَقامَ جاريةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لا عَدَّمَنَا اللّهُ قُربَكَ ، ولا أرانا فِراقَكَ ، فَنِعمَ الأَدَبُ أدَبُكَ ، ونِعمَ الإِمامُ وَاللّهِ أنتَ ، أنَا لِهؤُلاءِ القَومِ فَسَرِّحني إلَيهِم !
قالَ : تَجَهَّز ؛ فَإِنَّكَ ما عَلِمتُكَ رجُلٌ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، المُبارَكُ المَيمونُ النَّقيبَةُ .
ثُمَّ قامَ وَهَبُ بنُ مَسعودٍ الخَثعَمِيُّ فَقالَ : أنَا أنتَدِبُ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : اِنتَدِب ، بارَكَ اللّهُ عَلَيكَ .
فَخَرَجَ جارِيَةُ في ألفَينِ ، ووَهَبُ ابنُ مَسعودٍ في ألفَينِ ، وأمَرَهُما عَلِيٌّ أن يَطلُبا بُسرا حَيثُ كانَ حَتّى يَلحَقاهُ ، فَإِذَا اجتَمَعا فَرَأَسَ النّاسَ جارِيَةُ .
فَخَرَجَ جارِيَةُ مِنَ البَصرَةِ ، ووَهَبُ مِنَ الكوفَةِ ، حَتَّى التَقَيا بِأَرضِ الحِجازِ .
ونَفَذَ بُسرٌ مِنَ الطّائِفِ ، حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ ، وقَد تَنَحّى عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عَنِ اليَمَنِ ، وَاستَخلَفَ بِها عَبدَ اللّهِ بنَ عَبدِ المَدانِ الحارِثِيَّ ، فَأَتاهُ بُسرٌ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ ابنَهُ مالِكَ بنَ عَبدِ اللّهِ ، وقَد كانَ عُبَيدُ اللّهِ خَلَّفَ ابنَيهِ عَبدَ الرَّحمنِ وقُثَمَ عِندَ جُوَيرِيَّةَ ابنَةِ قارِظٍ الكِنانِيَّةِ ـ وهِيَ اُمُّهُما ـ وخَلَّفَ مَعَها رَجُلاً مِن كِنانَةَ .
فَلَمَّا انتَهى بُسرٌ إلَيها دَعَا ابنَي عُبَيدِ اللّهِ لِيَقتُلَهما ، فَقامَ الكِنانِيُّ فَانتَضى سَيفَهُ وقالَ : وَاللّهِ لَاُقتَلَنَّ دونَهُما فَاُلاقي عُذرا لي عِندَ اللّهِ وَالنّاسِ ، فَضارَبَ بِسَيفِهِ حَتّى قُتِلَ ، وخَرَجَت نِسوَةٌ مِن بَني كِنانَةَ فَقُلنَ : يا بُسرُ ! هذَا ۱ الرِّجالُ يُقتَلونَ ، فَما بالُ الوِلدانِ ؟ ! وَاللّهِ ما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَقتُلُهُم ، وَاللّهِ إنَّ سُلطانا لا يَشتَدُّ إلّا بِقَتلِ الصِّبيانِ ورَفعِ الرَّحمَةِ لَسُلطانُ سَوءٍ .
فَقالَ بُسرٌ : وَاللّهِ ، لَقَد هَمَمتُ أن أضَعَ فيكُنَّ السَّيفَ ، وقَدَّمَ الطِّفلَينِ فَذَبَحَهُما . . . .